رسالة إلى جدي

خواطر ورسائل

إليكم توقعات كوثر لطقس اليوم:
“سماء غائمة جزئيا إلى غائمة مصحوبة بقطرات مطرية محتملة، وبحر قليل الهيجان إلى هائج بالواجهة اليسارية للقلب، وألم خفيف بتوقيت غياب الأحبة وأهل المحبة، وباسم كلمة الجسور ومرارة الكسور، وغصة وجدان الشعور، تتدفق من نافذة كل منا لحظات عصيبة عصيفة، تتوقف فيها حياتنا بطريقة عجيبة غربية، نظنها الحلقة الأخيرة.. نبكي في كل فصل من فصولها السنوية بصمت كثيف كفيف، ونحاول أن نخفي الحزن بالكتم الرهيب، نناشد القوة بالعلن ونعارض الحزن في الخفاء، لكي لا يعلم أحد بجراحاتنا، ولو منحت أوجاعنا للموسيقار لعزف لحنا حزينا مليئا بصفعات الفشل والانكسار، نرسم ابتسامة بريئة أمام الناس ويظن الكل أننا قمة في السعادة، ولكن الحقيقة لا أحد يشعر بما شعرنا به وما مرنا به. إنهم يرون الابتسامة الجميلة، لكن لا أحد يرى ما وراء تلك الابتسامة، سأعترف لكم بشيء لا يعلمه الكثير “الذين يجيدون إظهار الابتسامة هم أكثر الناس تضررا من صفعات الحياة“. إنها الحياة فلا تستغرب!”

إلى جدي الغالي،
غادرت الحياة وجعلتني أذوب شوقا للقياك، اشتقت إليك بحجم الحاجة إليك وبحجم أمواج البحر، تركت نار شوق لن تطفئه السنين وذكرى عالقة بالأذهان، حينما فارقت الحياة تغيرت مجريات الطريق، فقد رسمت مسارا طويلا مليئا بالمغامرات، مما جعلني أفهم أمورا يصعب على الأغلب فهمها وعلى الكثير تصديقها، ولا حاجة للمزيد من الغيابات.

كنت دائما تصفني بالذكية والمجدة والحازمة، وتكررها مرارا وكأن العالم عليه الاقتداء بهذه الصفات، التي لطالما أوصيت بها غيري وكررتها لهم، لكي لا يقيدهم المنعرج إلى النفق المسدود. الآن حان دوري لأخبرك عما يحدث، حينما كنت مسافرة تائهة في أرض الصحراء القاحلة، قرأت في كتب الحياة ودروسها واقع المجتمع، واكتشفت التالي، انتبهوا معي ولا تتسرعوا في القراءة؛

حينما لا تجد من يشد عضدك ويساعدك، ابحث عن حلمك بنفسك، وحاول ألا تيأس مهما سمعت من كلمات لا تطيق سماعها ومهما عصفت بك الحياة، “فلن تحصل دائما على ما تريد”، واعلم أنك في كل محطة تقف فيها لثوان معدودة سترى أشياء لم تراها من قبل، وكل ما تراه عيناك اجعله في ذاكرتك سجلا تعيده لك الأيام، ستفهم لاحقا ما رأيت وشعرت، وفي وقت حاجتك إليها خذ منها ما يفيدك، وعند انطلاقتك إلى المحطة الموالية لا تنسى أن تعيش ولا تنسى أن تستفيد.

أنت من تحدد قيمة ذاتك ولا أحد غيرك، ولا تصدق من يقول أنا معك لأنك حين حاجتك إليه ستجده غريبا لا يعرفك وسيغلق عليك جميع الأبواب وكأنك شبح مخيف يعكر صفو حياته، واعلم علم اليقين أن كل من سيقرأ هذه الأسطر سيجد في رحلة من رحلات الحياة أنه تعرض لموقف جعله يضمد جراح قلبه بنفسه وينفض غبار الحزن والخسران والانكسار بيده، لأنه يعلم أنه ليس هناك سند غير الله.

في كل مرة تقف فيها فتتألم مائة مرة وتتعثر ألف مرة في الدقيقة، لا تخف ولا تقلق أبدا وواصل الطريق فإنك على المسار الصحيح. فلن تعلم سبب تلك الإخفاقات المتتالية إلا بعد الانتصار، فقد تكون هذه الثغرات سببا في رسم ابتسامة على شخص يائس فاقد للأمل… هذه هي ضريبة الفشل، تجرحك لتجعل منك إنسانا صالحا، وفي النهاية هي مصدر قوتك وذخيرتك لمواجهة كل الصعاب التي ربما لا يستطيع إنسان آخر ناجح تقبلها، فلا تجعل دموعك تنهار معلنا استسلامك للحزن والانكسار مدى الحياة.

أمور قد يراها البعض تافهة والبعض الآخر حقيقة واقعية، والقليل من سيرى أنها قصة الإنسان وحكايته الأبدية، حروف بعضنا قد تتغير في الأسلوب وفي الرؤى لكن المضمون لن يتغير وإن تغيرت الكلمات، وقد يكون الكثير قد سبقني إلى ذكر ما كتبت، لكن لا بأس فهي فائدة للبعض وتذكير للبعض الآخر، ولا تنسى دائما أن تكون أهدافك ذات مبدأ وبعد إنساني وتحمل رسائل أمل بأنه مهما كانت أيامنا سيئة وظروفنا قاسية، ستأتي أيام تنتصر فيها الحروب بالاستقلال وتصفو فيها الغيوم بعد شهر الشتاء الماطر، وتنفرج فيها القلوب بعد سنوات من الحزن والانكسار، ولا تنسى، قد تكون كلمة بسيطة سببا في النجاح وسببا في الانتصار، ولذلك لا تحزن ولا تفقد الأمل والشغف، فلا تدري ماذا سيحدث بعد غد!

لقد تغيرت أشياء كثيرة عند رحيلك يا جدي.. أصبحت منفردة أكثر، ذهبت إلى الأطفال المتخلى عنهم وإلى المسنين في دور الرعاية الاجتماعية، عرفت قصصهم الحياتية الحزينة من نظراتهم واكتشفت جروحهم الغارقة بنيران العشق والشوق للأحبة، ويا ليتك معي.. تحقق حلمك، لأنه كان حلمك قبل أن يكون حلمي.

لكن لا تخف، لن تتوقف الرسالة هنا بل ستستمر، “فلن يخشى المحب من شيء ما دام الحب رابطا مستمرا لا ينقطع، وإن ارتحل المحبون عنا، ستظل ذكراهم في القلب”.

فلتكن رسائلنا عنوان التفاؤل وعنوان الأمل، فهناك دائما أمل يستحق الإنتظار؛ وبغض النظر عن طقس يوم غد، فأنا لست قلقة أبدا.

رسالة إلى جدي

Exit mobile version