وفاة مرسي وواجب الرثاء

بعضُ ردود الأفعال التي خلفتها وفاة الدكتور محمد مرسي على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، الصادرة مِمَّن يدَّعون خطاب التنوير وإشراق الأفكار، كشفت زيف الشعارات  المرفوعة من قبيل التسامح وأدب الإختلاف وتقبل الآخر، وكشفت أيضا عن سطحية أفكارهم المخجلة التي لطالما حاولوا من خلالها التفرد والتميز عن باقي الخطابات الأخرى؛ إلّا أن وفاة الدكتور مرسي أسقطتهم في فخ الازدراء، والتجرد من الأخلاقيات المطلوبة للتعامل مع مثل هاته المواقف.
لقد صار خطاب الاختلاف الذي من المفترض مبدئيا أن ينمّي الحرص على الإعتراف بالآخر وتقبله، خطابا إقصائيا قوامه تهميش الآخر حيا وميتا، وهو ما يتنافى مع روح الخطاب التنويري الذي يتبناه هؤلاء، ويُغَذي خطاب الأنانية والإقصاء الذي أسقط كل ادعاء وتبجح بالإنسانية في ماهو لا إنساني ولا أخلاقي..

إن واقعة وفاة الدكتور مرسي كشفت الأقنعة وظهر معها جليا أن مفهوم الإنسان الذي لا يعتقد به هؤلاء، يختلف كثيرا عن المفهوم الذي أسس له كانط ضمن مشروعه الفلسفي الأخلاقي والذي يرى بأن الإنسان كائن يمتلك كرامة وقيمة مطلقة لمجرد كونه إنسانا فقط وليس لأي اعتبار آخر.. فما بال هؤلاء ينفون صفة الإنسان عن الآخر بمجرد كونه يختلف معهم، في تناقض صارخ مع المبادئ الإنسانية.

إن ما سبق وأشرت إليه بخصوص المبادئ الموجهة للتعامل مع إنسان يشترك معنا في الإنسانية يجعل واجب تقديم العزاء واجبا أخلاقيا اتجاه كل الخصوم لحظة موتهم، أما إذا علمنا أن هذا الإنسان الذي تحاملت عليه الأقلام بأبشع الأوصاف حيا، وميتا، اعْتُقِل تعسفا وتُرِك في السجن في حالة صحية متردية يصارع المرض، وتعرض لإهمال مقصود، بل إن حياته أصبحت في خطر كما جاء في تصريحه أمام أنظار المحكمة، وبعدها يموت في معتقله ويخرج منه إلى المقابر في سرية تامة سبقها تعتيم إعلامي عن مصير جثته، كل هاته التفاصيل تجعلك تخجل من نفسك، حتى وإن كنت تختلف مع الرجل قيد حياته في نظرته وتصوره للعالم، أن تذكره بسوء بعد وفاته، أما إن استحضرت الظروف التي مر منها الرئيس مرسي ومع ذلك أبيْتَ إلا أن تنتقد الرجل في هكذا ظرفية تستلزم  أخلاقيا وإنسانيا واجب الرثاء، فاعلم أن إنسانيتك التي منعتك من أن ترثي إنسانا سجينا افتقد للرعاية الصحية حتى وفاته هي إنسانية ملوثة، وأن الإنسانية التي تزعمها إنما هي إمتياز لا يصله أيٌّ كان.

مدونة زوايا

زوايا فريق شاب مؤلف من 10 شباب عرب مختلفي التخصصات والاهتمامات و غزيري الأفكار يجمعهم حب التدوين والرغبة في إثراء الويب العربي بمحتوى مفيد فريق زوايا ذو أفكار خلاقة وعزيمة متأهبة يعدكم بمحتوى مدوناتيٍّ أقل ما يقال عنه أنه استثنائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *