ماذا لو أصبح كل شيء نلمسه ذهبا

عن الحساسية المعروفة بAquagenic urticaria

في إحدى الأساطير الإغريقية، الملك “ميداس” طلب من الإله “دايونايسس”، إله الخمر والعربدة صفة غريبة ولم يسبق لها مثيل، حيث طلب منه أن يعطيه قوى وقدرة تجعله قادرا على تحويل كل مايلمسه ذهبا، فاستجاب لرغبته وأعطاه تلك القدرة على تحويل كل الأشياء ذهبا، فلك أن تتخيل فرحة “ميداس” بهذه الهبة، خصوصا وأنه أصبح حينها منجما متنقلا للذهب يلمس هذا وذاك، فيلمس الصخر يصبح ذهبا، والشجر فيصير ذهبا، وهكذا دواليك.

لكن، وبعد استيعابه للأمر تذكر مالم يكن في الحسبان، فعند لمسه للأكل بل وحتى الماء أيضا يصيران ذهبا، وهذا مايعني أنه لن يستطيع لا الأكل ولا الشرب بعدها، وظل الأمر يسوء به حتى أنه وفي أحد الأيام لمس إبنته فتحولت لتمثال من ذهب، فما فتئ إلا أن عاد إلى “دايونايسس” مترجيا إياه التخلص من هذه اللعنة البئيسة. وبالفعل استجاب له ونصحه بالغطس في نهر “الباكتولس” فإنه بذلك سيتخلص من هذه القدرة اللعينة. لكن كما توقعت عزيزي القارئ نزل “ميداس” النهر فتحول بعد ذلك النهر ذهبا ومات داخل نهر من ذهب.

تعتبر هذه الأسطورة من بين أشهر الأساطير الإغريقية، لكن مالم يخطر ببالك ولا ببال معظم سكان هذا الكوكب، وهو الشئ الذي تخفيه وسائل الإعلام، حيث أنه وعلى مستوى هذ الكوكب حاليا يوجد مايقارب 32 شخصا يعانون نفس معاناة “ميداس” فلا نعرف هل هو من حسن الحظ ام من سوءه للأسف الشديد كونهم يتوفرون على هاته القدرة، فكل مايلمسونه يتحول بعد ذلك ذهبا فهم من جهة مناجم متحركة للذهب، لكن من جهة أخرى يعانون لعنة عدم الأكل ولا الشرب ولا حتى لمس الآخر.

ليس هذا فحسب، ففي سنة 2016 نشرت مقالة علمية في مجلة “BBC” عن سيدة مصابة بحساسية من الماء، نعم، حساسية من المادة التي تغطي أكثر من 70% من كوكب الأرض!! فبمجرد تعرض جزء من جسمها للماء، يبدأ إفراز هرمون “الهيستامين” المسؤول عن ظهور أعراض الحساسية، فيتورم هذا الجزء ويبدأ بالإحمرار، حتى أن شرب الماء عند هذه السيدة يؤدي إلى نفس الأعراض، ناهيك عن وجودها خارج المنزل عند هطول المطر، ولك أن تتخيل ما إذا أرادت الإستحمام أو حتى البكاء، مايعني أنه وحتى عند إحساسها بالألم والمعاناة فلابد لها أن تتفادى البكاء.

هذه الحالة من الحساسية معروفة ب ” Aquagenic urticaria” وهو نادر جدا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، كون الجسم يتكون من 60% من الماء. فما الذي يجعل الأشخاص الحاملين لهذا النوع من الحساسية يعيشون بسلام رغم أن جسمهم حساس للماء كيفما كانت درجة حرارتها وكيفما كانت درجة نقاوتها؟

إجابة على ذلك، ظهور أعراض الحساسية للماء مرتبطة بتحفيز الجزء الخارجي للجسم أي بالتعرض الخارجي للماء، أما من الداخل فلا مشكلة في ذلك وهو ماتم إثباته عند حقن هؤلاء الأشخاص بالماء فلم تظهر أعراض الحساسية تلك، وهذه خاصية خطيرة ومهمة جدا، جعلت العلماء يشكون في أن سبب هذه الحساسية ليس الماء بحد ذاته، لكن من الممكن أن تكون مادة موجودة على جلد المصابين، والتي لو اتصلت بالماء تذوب وتدخل إلى داخل الجسم، الشيء الذي يحفز الهيستامين وبالتالي حدوث ماسبق ذكره من أعراض، وهي فريضة تبقى الأقرب إلى الصواب إلا أنها غير مؤكدة.

من جهة أخرى، فالأشخاص الحاملون لهاته الحساسية لايستطعون عيش حياة طبيعية يسودها الأمان، فوجب عليهم التقليل ما أمكن من الاتصال بالماء، فمثلا يشربون اللبن بدل الماء، يستحمون مرات قليلة سنويا، إضافة إلى أنهم يأخذون وبشكل دوري مضادات الهيستامين مايقلل فعليا من مفعول الهيستامين عند الاتصال بالماء، لأنه ولحد الآن لايوجد دواء لهذا النوع من الحساسية نظرا لكون هذه الحالة قليلة بحيث أنه في كل 230 مليون شخص يوجد شخص واحد يعاني من هاته الحساسية، وهو رقم صغير ليس من شأنه أن يساعد في إجراء التجارب العلمية الكافية لإيجاد دواء فعال ومباشر.

لا يمكن اعتبار هذه الظواهر النادرة التي سبق ذكرها هي فقط التي توجد على كوكبنا، لأنه هناك العديد منها، والتي وجب معرفتها وفهمها بحيث يوجد مجموعة من الناس التي تعاني مثلا من حساسية ضد الشمس ومجموعة أخرى تعاني من حساسية ضد ارتفاع درجة الحرارة أو ضد المجهود البدني وغيرها من الظواهر التي تفتح بابا واسعا للبحث العلمي رغم ندرة مواردها.

ماذا لو أصبح كل شيء نلمسه ذهبا

خوياني أيوب

طالب مهندس بكلية العلوم و التقنيات شعبة الصناعات الغدائية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *