الوظيفة التشريعية للبرلمان _الجزء الثاني_

الفرع الثاني: تشريع البرلمان في المجال المالي. 
تعني المبادرة التشريعية في المجال المالي التدخل من طرف الجهات المسؤولة بالتقدم بمبادرات تتعلق بالقانون المالي أو بمشاريع تتعلق بإحداث موارد عمومية، غير أن هذه المبادرات ليست عامة ولا مطلقة، بل تخضع لشروط ما يسمى بالتوازن المالي الذي تحدده السياسة المالية للدولة، مما يفسر كون المبادرة البرلمانية في المجال المالي تكون محددة ومقيدة. 
الأنظمة الداخليةيتدخل البرلمان في عدة مجالات مالية لتأكيد سلطته المالية، إلا أن أكثر هذه المجالات أهمية يرتبط بفحص مشاريع قوانين المالية والموافقة عليها، حيث أقر المشرع المغربي على أن قانون المالية، الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب، يصدر بالتصويت من قبل البرلمان طبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي، ويحدد هذا القانون التنظيمي طبيعة المعلومات والوثائق والمعطيات الضرورية لتعزيز المناقشة البرلمانية حول مشروع قانون المالية. 
 
الأنظمة الداخلية للبرلمان: 
عندما نتكلم عن النظام الداخلي للبرلمان فالأمر يتعلق بالأداة الأساسية لتنظيم وضمان حسن سير عمله، وضبط العلاقة بين الفاعلين الرئيسيين فيه من أغلبية و معارضة، فضلا عن تأمين حقوق الأقلية في مواجهة الأغلبية،وتحديد واجبات الأعضاء والالتزامات المطروحة على عاتقهم. 
وقد نص الدستور – الفصل 69 منه- على الجهة التي تتولى وضع النظام الداخلي عندما أشار الى أنه “يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت” وعلى الشروط المطلوبة لدخوله حيز التنفيذ حينما أكد على أنه “لا يجوز العمل به إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته لأحكام الدستور”، كما عمل على تحديد مضمون المجالات التي ينظمها عندما أشار الى أنه “يحدد النظام الداخلي بصفة خاصة: قواعد تأليف وتسيير الفِرَق والمجموعات البرلمانية والانتساب إليها والحقوق الخاصة المعترف بها لفِرَق المعارضة، واجبات الأعضاء في المشاركة الفعلية في أعمال اللجان والجلسات العامة والجزاءات المطبقة في حالة الغياب، عدد اللجان الدائمة واختصاصاتها و تنظيمها لجنتين للمعارضة على الأقل”؛ فضلا عن ذلك فقد ألزم المجلسين، عند وضع نظاميهما الداخليين، تناسقهما وتكاملهما ضمانا للعمل البرلماني. 
والأنظمة الداخلية للبرلمان تتضمن بعض القواعد المشتركة مع القوانين التنظيمية خاصة من ناحية اعتمادها من طرف البرلمان و مرورها الإجباري على القضاء الدستوري، علاوة على اندراجها، وفقا للمعيار الموضوعي، في نطاق القوانين ذات الطبيعة الدستورية التي تنظم جانبا من النظام السياسي للدولة، كما تتقاسم مع القوانين العادية أساسا وحدة الجهة التي تتولى المصادقة عليهما، لكنها تختلف عن النوعين من القوانين في بعض الجوانب. 
فهي تختلف عن القوانين العادية من حيث انفراد البرلمان لوحده بحق المبادرة التشريعية بشأنها دون أن يكون للحكومة دخل في الموضوع، واقتصار نطاق سريان تنفيذها على البرلمان فقط دون إن يمتد ذلك خارجه، وعدم خضوعها لقاعدة التداول بالتتابع بين مجلسي البرلمان التي تخضع لها باقي القوانين، فضلا عن الإحالة الإجبارية على القضاء الدستوري؛ بالمقابل يميزها عن القوانين التنظيمية عدم تقيد الشروع في مناقشتها بسقف زمني معين وعدم اشتراط نصاب قانوني خاص للمصادقة عليها، إضافة إلى وجودها في مرتبة أدنى منها على اعتبار أن سلطة خضوعها للرقابة الدستورية لم تعد مقتصرة على أحكام الدستور فقط بل أضحت تمتد إلى القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور، حيث سبق للمجلس الدستوري أن أكد في أكثر من قرار عدم مطابقة مواد من النظام الداخلي لأحكام الدستور لأنها خالفت قوانينا تنظيمية، مستندا في ذلك على قرارات سابقة في الموضوع صادرة عن الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى 
 
الفرع الثالث: مراجعة الدستور والمصادقة على المعاهدات. 
تحظى البرلمانات، في معظم الدول، بسلطة تأسيسية خاصة من حيث مراجعة الدستور. فالبرلمان لا يُشَرع ويراقب فحسب، بل تناط به كذلك مبادرة تعديل الدستور ( الفقرة الأولى) والمصادقة على المعاهدات الدولية ( الفقرة الثانية). 
 
الفقرة الأولى: مراجعة الدستور: 
إن اقتراح مراجعة الدستور الصادر عن البرلمان لن يكون مقبولا إلا بتصويت ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس المعروض عليه الاقتراح، ليحال بعد ذلك على المجلس الآخر كما تُعرَضُ جميع المشاريع والاقتراحات على الشعب للاستفتاء فيه بمقتضى ظهير وتصبح المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء. 
الفصل 172 ينص على أنه ” للملك ولرئيس الحكومة ولمجلسي النواب ولمجلس المستشارين حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور”، فيما أوضح الفصل 173 شروط تقديم المقترح، وهناك مستجد آخر مرتبط بمراجعة الدستور وهو التنصيص على أن للملك إمكانية عرض مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور على البرلمان وذلك بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية. 
 
الفقرة الثانية: المصادقة على المعاهدات. 
إن دستور 2011 حسم في معالجة المعاهدات والاتفاقيات التي كانت تتعارض معه، والتنصيص على التقنيات الشكلية الجديدة التي تشكل شرطا أساسيا لدخول المعاهدة في نطاق التنفيذ. حيث جاء في تصدير دستور 2011 كون الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، وقد حدد الفصل 55 من دستور 2011 نوع المعاهدات التي يجب الموافقة عليها بقانون قبل المصادقة عليها: 
 
 – معاهدات السلم، 
 – معاهدات الاتحاد، 
 – رسم الحدود، 
 – المعاهدات التجارية. 
إن توسيع مهام البرلمان لممارسة هذا الاختصاص في مجال المعاهدات الدولية سيساهم البرلمان في تعزيز مكانته كمُتَدخل أساسي في السياسة الخارجية للمغرب بشكل عام، و تعويضا لما كان عليه مسبقا في مشاركته في إبرام المعاهدات التي تبقى حكرا في يد السلطة التنفيذية المختصة بالعملية التفاوضية بشكل عام المجسدة لوزير الخارجية للبلاد. 
وتبقى المصادقة على المعاهدات التي من شأنها أن تكلف مالية الدولة رهينة بضرورة موافقة البرلمان عليها مسبقا بقانون، مما يستدعي تقديم الحكومة لوثيقةِ المعاهدة في شكل مشروع قانون ليقرر البرلمان بشأنه، إما القبول أو الرفض اللذان ينصبان على مشروع المعاهدة جملة وتفصيل. 

مدونة زوايا

زوايا فريق شاب مؤلف من 10 شباب عرب مختلفي التخصصات والاهتمامات و غزيري الأفكار يجمعهم حب التدوين والرغبة في إثراء الويب العربي بمحتوى مفيد فريق زوايا ذو أفكار خلاقة وعزيمة متأهبة يعدكم بمحتوى مدوناتيٍّ أقل ما يقال عنه أنه استثنائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *