قدرية الفكر العربي.. إلى متى؟

كيف كشفت كورونا تناقضات الفكر العربي؟


لطالما اتّسم الفكر العربي بقدريته.. ببلوغ الهدف؛ ليس لأنه هدف بل لأن الحظ قاده إليه.. وسهله النصيب عليه .. ينجح ليس لأنه لم يترك للحياة خياراً سوى أن تبارك انتصاراته عنوة أو طواعية؛ لكن لأن الظروف كانت مواتية لاقتناصه فحسب.. يقتات الإنسان العربيُّ يومياً على الكثير من العبثية وترك الأمور “للزمن” وتقبل النتائج مهما كانت والتعايش معها كيفما اتفق.. حتى غريزة الحياة عنده لم تشفع له.. كيف لا، وهو المتغنّي بفكرة أن “المكتوب على الجبين لازم تشوفو العين“.. أو بجدِّية أكثر “أن ما أصابك ما كان ليُخطئك” ليضفي بذلك طابعا دينيا يبرر به الهوان الذي أضحى عليه ..

كل الطرق تؤدي عنده إلى الفكرة ذاتها.. تصب في نفس الطرح وتقود إلى النتيجة ذاتها.. إلى النهاية المحتومة -حسبه- التي لا مجال لتغيير المكتوب فيها..
“الله غالب”، “أزمة وتفوت”، “مكتوب ربي”، “اللي مكتوب على الجبين لازمْ تشوفو العين” ، “لو كان خيرا لبقى”… وغيرها من التعابير التي تُلقى على مَسامعنا كل يوم..
هي تعابير صالحة لكل زمان ومكان.. في الحرب وفي السِّلم.. في الأزمات والنكبات.. في الحرائق والزلازل والانفجارات.. عباراتٌ صالحة لكل المناسبات
!
ما فتئ القدر أنْ صار شماعة نعلق عليه خيباتنا المتكررة.. خذلاننا.. خنوعنا وجهلنا.. رغبتنا في أن نحيا ونموت ونحن “ نمشي الحيط الحيط ونقول يا ربي السترة.

سلمى بن دعاس

فكلما كان من المفروض فيه علينا رفع أيدينا لنفض الغبار المعشِّش من فوقنا، رفعناها عاليا لكن فقط من أجل الدعاء والتضرع لله بالفرج القريب..!
بالرجوع إلى سيكولوجية الفكر العربي، نجد أن هذا المنطق ليس بالجديد.. فما فتئ العربي مَيّالا للخضوع جانحاً للسلم والسكون.. لكن #جائحة_كورونا جاءت لتجعل من الخذلان يطفو على السطح من جديد.. ولتثبت للعالم -ولنا كعرب- أن لا شيء قد غيّر منا بالفعل.. وأن مظاهر التمدن والعولمة التي سارعنا في استيرادها لم تغيّر سوى المظهر الخارجي لحاضرنا.. و ليومياتنا التي تزدتد سوءاً.. أما عقلية “الرِّجعية” والفكر “البدائي” والعبثية فما زالت تسيطر على حياتنا، شئنا ذلك أم أبينا..!

فمنذ أن أعلن العالم فرض حالة استنفار قصوى ضد عدو مشترك انصهرت بسببه الإيديولوجيات واختفت الفوارق العرقية والدينية في سبيل القضاء عليه.. وفي خضم هذا التسابق في محاولةٍ لفهم حقيقة ما يجري بالضبط وما يمكن للبشرية إنقاذه، تجنّد العلماء والأطباء معتكفين في مخابرهم بغية محاولة فك شيفرة هذا الفيروس.. كما سارع السياسيون إلى فرض مجموعة بروتوكولات وقوانين من شأنها حصر الوباء إلى حين التمكن من السيطرة عليه..

دخل السباقَ نحو اللقاح المنشود الغربُ والفُرْسُ والعَجَم على حد سواء.. زنوجٌ وهنود وعبدة البقر والشمس وربما القمر.. كلهم تسارعوا لإنقاذ ما يمكن انقاذه .. ونام العربي في انتظار ما سيصلوا إليه..
وبين غفوة وقيلولة، امتهن نشر البلبلة وتصدير الإشاعات، وزرع الخوف، وتحريف الأخبار.. فضلا عن التشكيك في كل شيء.. هذا عدا ادّعاءه الفهم وتمكنه من فك طلاسِم الحكاية ..
هي مؤامرة أمريكية للاطاحة بالصين التي أزهر ربيع اقتصادها وأصبح يهدد نظيره الأمريكي.. لا بل هي محاولة من كبار بارونات العالم وسياسِيّيه للسيطرة علينا عن طريق إجبارنا على حمل شرائح من شأنها التحكم فينا ومنه التحكم في العالم.. بل إنه فيروس خرج من المختبرات وهو ذو أهداف استراتيجية مدروسة مسبقا جاء من أجل إعادة القوى السياسية إلى موازينها... “
وغيرها من “فلسفة الشوارع” التي نضطر لتلويث أسماعنا بها جهارا نهارا، أينما ذهبنا وكيفما حللنا..

بعد حواليْ خمسة أشهر من عذاب الاستماع إلى “فيروس التُّرَّهات” المنتشر، بدأ فيروس كورونا يضمحِلّ ويتلاشى شيئاً فشيئاً؛ لا لأن البروتوكولات التي تبنتها الدول العربية قد أبدت نجاحا.. بل لأن الإنسان العربي بقدَرِيَّتِه بدأ بالتعايش مع الفيروس وتقبَّلَه كواقع محتوم وجَب قبوله وعدم الجدوى من محاربته..

ورغم سيطرة معظم الدول الغربية على الفيروس وإعلانها عودة الحياة، تدريجيًا، إلى سابق عهدها، إلا أنها استمرت بأبحاثها إلى أن تمكنت تباعا من اكتشافها للقاحات وبدء تجاربها السَّريرية من شأنها إعادة المناعة لعالَمٍ لطالما لازمَ الفراش شهوراً..

تكاد -إذاً- غيمةُ الفرج أن تمطر علينا بعد شهور عجاف ويكاد الأمل أن يضيء من حولنا إلا أن “بُرج خليفه” كان قد سبقه بأن أضاءَ منذ أيام بألوانِ كيانٍ (الكيان الصهيوني) خَلَقَتْهُ قَدَرِيّة العربي وعزّز زرعه بيننا بخضوعِه وخنوعه بل ذلّه وهَوانه كما كل مرة.. لِـيُطرَح السؤال نفسه من جديد.. إلى متى؟ ليس السؤال هنا عن العربي فما عدنا ننتظر شيئا منه..
لكن إلى متى نستمر في التشبث ببصيص أمل في ظل كل ما حدث ويحدُث.. وهل هذا وقاحة منا ورفضٌ للقدر أم هو جنون؟

سلمى بن دعاس – مِن تدوينة “قدرية الفكر العربي

قدرية الفكر العربي.. إلى متى؟

سلمى بن دعاس

استاذة لغة فرنسية. مهتمة بالادب.. بالترجمة و الكتابة الفلسفية كتبت رواية تحمل عنوان (عندما نشتهي..نشتري).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *