أردت البكاء ولكن

نفسك طبيب جروحك

لطالما صمدت على أن أواكب تقلبات حياتي التي كانت غائمة ومصحوبة بزخات مطرية، أو بلغة أخرى، هائجة إلى قليلة الهيجان؛ نعم هكذا يسعفني أن أصف بدقة نشرة التاسعة لحياتي.

لربما علمتني الحياة أن أقسو على نفسي أكثر من قسوتها علي، علمتني أن أداري ألمي في صمت دون حاجة ولا احتياج وأخرج بمظهر المتأهب، كالعائد من المنفى، لكن حقيقة ما استطعت استدراكه بعد زمن أن المنفى الحق هو الذات…

قليلة هي لحظات ضعفي أمام الغير وغالبا ما تكون نادرة، فما كان يرى الغير دمعي عادة عند عدم تقبلي لملاحظة أستاذي في الجامعة أو عدم اقتناع بالمعدل مثلا، حينها كنت أعلن ساعات الحداد وكنت أرى الزملاء يرمقونني بتلك النظرات التي تحمل في أعماقها عبارات استغراب وتهكم من قبيل “هل هاته حمقاء أم ساذجة؟” وغيرها من الأحكام المسبقة التي رافقتني في بعض مسارات حياتي، انطوائية ومكتئبة ومعقدة وغيرها كانت كلها ترفرف في السماء كبالونات حفلات التتويج لكن هاته ليست لحظات ضعف حقيقة، فما هي إلا لحظات احتجاج وعدم التقبل، أما حالات ضعفي الحقيقية فتكون خلسة بيني وبيني نفسي.. فبداخلي بركان تسمعه الجبال الشامخات لكنه قد يهدأ بمجرد تذكري لموقف طفولي.

مع الأسف قد أغفلو أنهم يعيشون مستظلين بسقف النفاق الاجتماعي وغيرها من المظاهر التي لا يتخذونها بمفهوم الاعتراف بالحق فضيلة. وكل ذلك مازادني سوى قوة وصمودا وبناء للذات يمدني بشحنة من التأملات، وأؤمن أنه مهما كان نصف ماعشته من حياتك مرا فختام النصف الآخر حلو …

أردت البكاء ولكن… قد جفت دموعي قبل لباد أقلامي وجف معها مداد كلماتي، أردت أن أكتب نفسي لكنها لم تأبى لي، نفسي التي لم تبتسم للحياة بقدر ما سبحت في شآبيبها، نفسي التي عندما آوي للفراش ليلا وأحادثها تتخلى عني عند أول كلمة وتسدل ستائر عينيها، فكما يقال إن أسوأ شيء هو أن تتخلى عنك نفسك حين تحتاجها وتحتاج لكلماتها.

وأصعب ما في الأمر أن تحتاج للبكاء لكنك لا تستطيع فتضطر للبحث عن طريقة للبكاء… أريد ان أبكي لكني لا أستطيع.. طريقة غريبة نوعا ما أليس كذلك؟ لكن حينا تراني عاصفة ثلجية يمكن أن تهب دون سابق إنذار ..

ما عساني أن أقول سوى سامحيني يا نفسي “فما تمنيت البكاء يوما ولكن هم الزمان أبكاني”
ولا تستهن بنفسك يا صديقي فهي طبيبك المجاني الذي يشتغل بتوقيت مستمر…

أردت البكاء ولكن

هند العنيكري

طالبة بالمدرسة العليا للأساتذة،شعبة اللغة العربية شاعرة ومولوعة بسبك الأحرف وكاتبة حرة مدونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *