“نجاح الفشل”

في البدء، عجزتُ عن اتخاذ قرار حاسم بخصوص وضع المعقوفتيْن في العنوان أعلاه؛ هل سأقتصر في وضعها حول “نجاح” أو وضعها حول “فشل”.. إلى أن رَسا القرار، أخيرا، حول وضعها حولهما معا؛ وذلك لعدة أسباب: مرّت ثلاثة أيام من امتحانات الباكالوريا في بلادنا على إيقاع ترقب واستعداد بشتى أشكاله وما سبق ذلك من نقاشات تركزت أساساً حول السبل الكفيلة للقضاء على سلوك الغش وظاهرة “الغش” –على الأقل- في الامتحان..
استفحالُ هذه الظاهرة المَرَضية وبشكل نوعي انعكس بشكل مباشر في الحرب الكلامية التي شنّتها الوزارة ضد الغشّاشات والغشاشين ومن معهم ووراءهم، تنوعت بين تهديد ووعيد، من خلال الإعلان عن مجموعة من الإجراءات الزجرية للحد من الظاهرة.. في المقابل نجد “تصعيدا فيسبوكيا” من طرف أنصار الغش باعتباره “حقا مقدسا ومكتسَبا” يجب إعداد العدة له بشكل يقصف وينسف كل خطط واستراتيجيات الوزارة الوصية.
مبدئياً.. الامتحان هو فرصة للتقويم التربوي لبنات وأبناء هذا الوطن بعد سنوات من الدراسة والتحصيل لفرز نتائج تميز بين الناجحين والراسبين/الناجحين والمتفوقين.. بشكل ديمقراطي وعادل، يكرّس مبدأ تكافؤ الفرص والحق في مواصلة الدراسة بالأسلاك العليا للتعليم.. لكن ومن خلال نظرة -ولو سطحية- لسياقات إجراء هذا الامتحان تنذر بأن شيئا ما ليس على ما يرام.
فبمجرد دخول التلاميذ إلى القاعة تخيم أجواء من التوتر والتشنج على الجميع، فمن جهة يجد الأساتذة أنفسهم تحولوا إلى رجال أمن دون سابق إنذار.. من جهة أخرى يرى الممتحَنون – أغلبهم – في هؤلاء الحاجز الوحيد الذي يفصلهم عن نيل تلك الشهادة.
فبعد قراءة الأسئلة، يبدأ التلاميذ في الهمس والغمز باحثين عن شفرات تفك الطلاسم التي أمامهم كل حسب خبرته وتحضيراته – للغش طبعا – فتبدأ الرياضة الأكثر شعبية في هذه الأجواء، رياضة مد وشد العنق ذات اليمين وذات الشمال بحثا عن مُنقذ..
والأخطر هنا ليس محاولة الغش، بل اعتباره حقا مشروعا للممتحن لدرجة أن بعض التلاميذ بعد المطالبة بإمدادهم ببعض المساعدات الإنسانية المعرفية الخارجية، ينتقلون إلى سياسة فرض الأمر الواقع على المراقبين بتعمدهم إخراج بعض –الحروزة– أو البحث عن أجوبة على الهواء مباشرة لدى أحد الزملاء… وفي مستوى أخطر، يبدأ البعض في التعبير الشفوي عن تدمرهم من الامتحان، من المراقبين، من الوطن، وأيضا من أنفسهم…  ليصلوا مرحلة أسمى يفتخرون فيها وبكل شجاعة وثقة بفشلهم وعدم قدرتهم على الإجابة ولو على أبسط سؤال.
هذا الوضع في الحقيقة هو تلك الشجرة التي تُخفي الغابة المظلمة وراءها، فلا غرابة في سلوكيات سلبية هدامة كهذه ما دامت جزء لا يتجزأ من واقع الحال الذي أقل ما يمكن وصفه به أنه “مستنقع” بكل ما تحمله الكلمة من معنى… فتصبح البداهة المنطقية كالتالي:
مادام الكل يغش فلماذا أحاسَب أنا بالذات؟ هذا السؤال المشروع هو الذي يجب علينا الإجابة عنه لإقناع هذا الجيل بالعكس. فالغش، هو علامة الجودة العالمية التي تميز المغرب بشكل صريح وملحوظ: الجزّار يغش، المقاول يغش، الموظف يغش، المسؤول يغش، وهكذا دواليك.. إضافة الى مجموع التناقضات البنيوية التي تطبع تنشئتنا الاجتماعية من قبيل (صلي وصوم وزني وعوم)، (مشا عليا التران)، (كالك بابا مكاينش) … جيل أغرق في مضامين المتعة المبتذلة ببرامج الرقص والغناء وكأن المغرب يعيش فائضا في الأطر في باقي المجالات… جيل يعيش الاستلاب بشتى أنواعه فلا يعرف من يكون وإلى ماذا يسعى. كلها عوامل تتضافر وتتناسل لتنتج أفرادا لا يعرفون من المواطنة سوى بطاقتها البيومترية – على الأقل – لقضاء بعض الأغراض الإدارية لا أقل ولا أكثر..
إلا أنه يجب علينا أن نُحيّي ألف تحية الفئة-الاستثناء التي ثابرت طوال السنة باجتهاد ونضج كبيرين ونقول لهم: لا يصح إلا الصحيح!
وهنا نعود من جديد لنسائل المسؤولين عن تراكمات سياسات فاشلة أغلبها مستوردة ميكانيكيا من الخارج، نسخ ماسخة وهجينة أهدرت الوقت والمال دون حسيب أو رقيب أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه.

لعل بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني بُعيد نهاية الدورة العادية لامتحانات الباكالوريا الذي يفيد ضبط 150 مترشحا وحجز معدات معلوماتية متطورة وهواتف محمولة تدخل في تسهيل عملية الغش، خيرُ تأكيدٍ على أننا نعيش لحظات “قبل الكارثة”..

في النهاية، لا يسعني إلا أن أقول لكم مبروك : “مبروك نجاحُ فشلنا”!

خالد وديرو

مدون و طالب إعلام