انتشار الاسلام في افريقيا الغربية قبل فترة الاستعمار

دور الذي لعبته السياسة و التجارة للمساهمة في نشر الاسلام

إن الحديث عن انتشار الاسلام في افريقيا يدفعنا الى مرحلة بروز الاسلام في الجزيرة العربية حيث انه بعد ان اعز الله الإسلام و أظهره في جزيرة العرب، بدأ في تحول إلى أقطار أخرى منها بلدان إفريقيا وذلك بشكل تدريجي وعبر مسالك ووسائل متعددة بدءا بالهجرات العديدة التي توالت في أزمان مختلفة والتي استوطن من خلالها المسلمون في القارة الإفريقية، حاملين معهم الدين الحنيف، و مرورا بالنشاطات الاقتصادية المتبادلة بين بلاد المسلمين وجنوب الصحراء في إفريقيا عن طريق التجارة والتجار الذي كانوا هم أيضا يحملون دينهم بجانب تجارتهم، وكانوا يعلمون على نشره أينما حلول ورتحلوا بالإضافة إلى بعض الدعاة الذين كزسوا أنفسهم لنشر الإسلام في كل أرجاء الأرض، و خاضوا مجاهل إفريقيا من أجل نقل الإسلام إلى سكان تلك المناطق الذين كانوا يرسفون في قيود الوثنية والشرك.

وبالتداخل معهم كانت الطرق الصوفية تبلي هي الأخرى بلاءا حسنا في سبيل نشر الإسلام. فأصبح الإسلام يتفشى في كل أقطار القارة الإفريقية شيئا فشيئا إلى أن وصلت اطرف الغربي منها، لكن انتشار الاسلام في هذه المناطق التي تسمى إفريقيا جنوب الصحراء ارتبط انتشار الاسلام فيها بمناطق شمال إفريقيا خاصة المغرب الاقصى.

المحور الأول: دور الدول و ملوكها في أسلمة إفريقيا الغربية.

مباشرة بعد أن قام عقبة بن نافع بفتح مناطق شمال إفريقيا وادخال الإسلام اليها، أصبح الاسلام في التفشي الى مختلف المناطق خاصة المغرب الاقصى وذلك مع من احبه في الحكم، الى أن اتصل بقبائل الملثمين، و هم من قبائل كثيرة مثل لمطة و ترغة وجدالة ومسوفة.

الأمر الذي سيساهم بدوره في بداية الفتح العربي، وسيساهم ايضا في نشر الإسلام في إفريقيا لقيام الدولة المرابطية، لكن قبل ذلك نشد مجموعة من المصادر تنسب عملية نشر الإسلام بالخوارج الإباضية والصفرية انطلاقا من مؤشرات تاريخية التي ترتبط لقيام لإقامة الخوارج الإمارة الصحراوية بتاهرت وسجلماسة وإقبالهم على التجارة الصحراوية، مما شكل باعثا على القول بمساهمة الخوارج في أسلمة السودان الغربي قبل القرن 5 هجري/11م.

وبعد الخوارج كان للمرابطين دورا مهما في أسلمة باقي المناطق في السودان الغربي،حيث بدأت الحركة المرابطية في نشر الدعوة بين قبائل صنهاجة أولا ثم انطلقوا جنوبا عبر الصحراء الى بلاد السودان، وكانت هذه الحركة المرابطية بزعامة عبد الله بن ياسين ( ت 451ه/1059م)، حركة جهادية أسقطت أوداغست ومهدت بانهيار مملكة غانة، كما مهدت لنشر الإسلام في أوساط سكان غانة، كما تجلى دور المرابطين في نشر الإسلام بغربي افريقيا عبر إرسال الدعاة والعلماء للقبائل السودانية وبفضل حركتهم ازداد انتشار الاسلام الى مناطق اخرى، كما ازداد الاتصال التجاري والثقافي بالبلاد الإسلامية عامة، وبذلك تشكل الحركة المرابطية فترة مؤسسة في تاريخ افريقيا الغربية حيث و ضعت أساس المذهب المالكي للإسلام في إفريقيا إلى جانب دور هذه الحركة في وضع أسس العقيدة الأشعرية، كما شكلت حدثا مهما في التاريخ السياسي والاجتماعي لإفريقيا جنوب الصحراء.

بعد ذلك انتقلت المهمة في نشر الإسلام والدعوة له، الى ملوك دولة مالي الاسلامية، فقد كان مؤسسوها أكثر تحمسا للإسلام والدعوة له، مثل الملك منسى موسى (1307-13332م) الذي يعتبر من أعظم الملوك في هذه المملكة التي بلغت عهده أوج مجدها، وقد استطاع فتح ولاتة وتنبكتوا، كما أن مسار الأسلحة في السودان الغربي منذ فترة حكم مالي أخذ مرحلة جديدة أصبح فيها الأفارقة فاعلين أساسيين في أسلمة شعوبهم، و تعزيز هذا المسار مع مملكة السنغاي الإسلامية، التي ورثت مالي في تلك البقاع، فعملت مملكة السنغاي منذ أن أسلم أول ملوكها على نشر الإسلام بين الوثنيين في وقت تنامت فيه وتيرة أسلمة المجال، فبعد نهاية مملكة مالي في القرن 14م ستظهعلى الساحل مملكة الماندنغا تزامنا مع تأسيس مدينة تنبكتوا. أما المنطقة الساحلية فستعرف تأسيس حكم السنغاي الذي يحاول استعادة مجد مملكة مالي بالاعتماد على التجارة الصحراوية وكذا على التطور العمراني الذي ستعرفه المنطقة.

كما ستعرف المنطقة نشاطا للعلاقات مع مصر وطور مدينة غاو التي تشكل منطلق ملوك أسرة السنغاي مع سني علي (1464-1492م) وأسرة الأسكيا مع محمد أسكيا التي ستنقلب على حكم سني علي لمساندة نخب مدينة تمبكتوا.

و ستتحول تمبكتوا إلى مركز معارض النخب العسكرية المستقرة بمدينة غاو. وتبين كتابات “تاريخ الفتاش” لمحمد كعت و “تاريخ السودان” لعبد الرحمان السعدي حقيقة الصراع حول السلطة بين نخب تبكتوا الثقافية ونخب غاو العسكرية. بالموازاة مع ذلك أسهم باقي أمراء المجال في ترسيخ الإسلام في إفريقيا الغربية كما هو الشأن بالنسبة لأمراء امبراطورية الب البورنو، حيث وصل الاسلام الى كانم من مصر مباشرة، و من أشهر الدعاة للإسلام في كانم محمد بن ماني في القرن 11م، ونشر الإسلام ما بين القبائل الوثنية، وبدخول الاسلام أمكن إقامة ممالك كبيرة. وكذلك الشأن بالنسبة لما قامت به قبائل الفلان التي اشتد حماسها في نشر الإسلام زمن ازدهار دولتهم (الخلافة الصكتية) في القرن 19م. و لقد امتدت عملية انتشار الاسلام بالسودان الغربي لفترة طويلة إلى غاية القرن 19 م، وذلك يقع في خصوصية الاسلام بالمجالس الذي تميز بتأرجح الناتج عن كثرة التحديات التي واجهتها عملة انشارالاسلام بفعل الوثنية وتركيز الإستعمار على محاربة الإسلام.

المحور الثاني: دور التجار و التجارة في أسلمة إفريقيا الغربية.

إن عملية الفتح الإسلامي فتحت الطريق أمام التجار والتجارة التي ستلعب دورا أساسيا في نشر الإسلام بإفريقيا حيث أن التجارة هي نشاط حركي متنقل من منطقة لأخرى والتاجر يحمل معه محمولات ثقافية تتأثر بالزمان والمكان فهي مؤشر لرسوخ الحياة السياسية والإجتماعية. ونتيجة لعملية الفتح الإسلامي بشمال إفريقيا انتشر الاسلام على طول الطرق التجارية التي تخترق الصحراء، وكذلك حدث مع توغل التجار المسلمين داخل حدود السودان فقد أتاحت طرق التجارة الوصول الى مختلف مناطق السودان وارتبط انتشار الاسلام ايضا بالحركة التجارية لذلك أسهمت في إثراء المؤثرات الإسلامية، وفق التعامل التجاري فقد كان تجار المغرب ينزلون الأسواق، والمراكز ويحتكون بالزنوج بأمانتهم ونظافتهم وسلوكهم الشخصي و كثيرا ما ينتهي الأمر بهؤلاء الزنوج بالدخول في الإسلام.

ويتوفر المغرب على مراكز تجارية مهمة ربطت بينه وبين السودان في الجنوب كما ساهمت في نقل الإسلام والثقافة المغربية الى هذه المناطق فمنها:
سجلماسة: وهي من أهم المدن التجارية في بلاد المغرب الأقصى فهي تقع في ملتقى الطرق التجارية وتربط المغرب بالأندلس شمالا وبالسودان جنوبا، فهي مركز تجاري مهم ومصدر ثروة في المدينة وقد أشار إلى ذلك ياقوت الحموي بقوله ” إن أهل هذه المدينة من أغنى الناس وأكثرهم مالا “، واتسعت سجلماسة في علاقاتها التجارية عبر الصحراء إلى بلاد السودان، و غانا وأوداغست وحوض النيجر، إذ أصبحت تقوم بدورها الفعال في صادراتها نحو بلاد السودان حتى أنها كانت تصدر مع تجارها شيئا اهم من المواد من ثمور وغيرها وإنما هو الإسلام.

والأمر لم يكن مرتبطا بسجلماسة لوحدها فقط بل كان مرتبطا بمراكز تجارية أخرى مثل درعة، أغمات، وحتى منطقة أوداغست فهي كذلك من أهم المدن ببلاد المغرب الاقصى، وتقع على صحراء بلاد السودان حيث يشير إلى ذلك حسن إبراهيم حسن ” هي مدينة يتألق سكانها من عرب المغرب وحلفائهم في أفريقيا “، يتمثلون في زنوج بلاد السودان، و بهذا يمكن القول بأنه نتيجة لعملية الفتح الاسلامي في شمال افريقيا انتشر الاسلام على طول الطرق التجارية التي تخترق صحرائها.

لم تكن التجارة لوحدها هي المساهم في نشر الإسلام فحتى الطرق الصوفية لعبت دورا مهما سواء في هذه الفترة المبكرة و حتى في الفترات اللاحقة خاصة في القرن 19م، فتعتبر الطريقة القادرية والتيجانية من أنشطة الطرق الصوفية المعروفة في إفريقيا، لكن على العموم كان الصوفيون ينذرون أنفسهم لنشر الاسلام في افريقيا ويمتلكون بأعلى مناطق افريقيا فيؤثرون عليهم بمعاملتهم، وسعة صدورهم، فقد كانت مجالس الوعظ والارشاد التي يفقدها الأئمة الأفكار هي مجالس عمومية يجلس فيها المسلم وغيره فيسمعون من الشيخ ومواعظه حتى يتبعونه في عقيدة الاسلام والتوحيد. وبالتالي كان للطرق الصوفية دورا فعالا في نشر الإسلام وتعاليمه.

انتشار الاسلام في افريقيا الغربية قبل فترة الاستعمار

زكرياء العمراني

طالب باحث في التاريخ الوسيط سلك الماستر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *