ألو مركز قضايا المرأة العربية في الاستماع

الزواج بين معتقدات المجتمع و التفكير العقلاني السليم

إليكم توقعات كوثر لطقس اليوم:
أمطار غزيرة وهبوب رياح قوية ومزاج سيء بتوقيت غياب الوعي، وبجملتي الوهمية “ألو مركز قضايا المرأة العربية في الاستماع” سأبدأ مقالي الطويل الممل والشيق في الوقت نفسه بأحداث الضرب والتعنيف…

أعلم أنكم تتساءلون الآن هل فعلا هذا المركز موجود أم أنه تعبير مجازي لحقيقة الواقع المر؟
سأجيبكم بأنه مجرد تعبير مجازي وبه سأبدأ لكم المسلسل الدرامي..

إنها قصة المرأة العربية المعرضة للعنف في صمت، وتفاصيل القصة من نبض الواقع، هي قصة حقيقية واقعية، تعرضت لها صديقتي التي تزوجت في عمر 17 سنة والقاطنة الآن بالديار الإسبانية، والتي كنت أعارض قرار زواجها مرارا وتكرارا ولكن للأسف ذهب كل جهدي هباء منثورا، والأدهى من ذلك أنها اعتبرت معارضتي لقرارها غيرة وحسدا.. ويا أسفاه على تفكيرها، معارضتي كانت بسبب تصرفات ذلك الشخص السيئة وعدم وعيه بأمور كثيرة، رغم أنه كان في الثلاثينات من عمره إلا أن درجة وعيه صفر ونضج فكره مقفر، حديثه مشمئز ومستفز يثير الغضب.

لم أتحمل وجوده والحديث معه لربع ساعة، فما بالك أن تظل معه ثلاث سنوات؟

طبعا سنأخذ بعين الاعتبار عمر الفتاة وقلة وعيها وسرعة اتخاذها للقرار ولكن كان على أمها أن تمنعها، أن تقف أمام قرارها، أن تنصحها لتستطيع اختيار رجل يستحقها، لكنها كانت للأسف تشجعها أكثر لقلة وعيها أيضا، فأحلامهن مبنية على “رجل“. كل ما يعرفونه هو أن تتزوج الفتاة من أول رجل يدق باب بيتها كيفما كان، أهذا ما يسمى “زواجا”؟ أهذا ما تعتبرونه الزوج الصالح وأنتم ما زلتم لم تعرفوا شيئا عنه ولا حتى ما يخفيه؟ أم لأنه لمجرد ابتسامته لكم ستقبلونه زوجا لابنتكم وتعتبرونه الزوج الصالح دون أن تعرفوه حق المعرفة؟

حقا أشفق على من يفكر بهذه الطريقة، والأكثر أن هذه الأمور مازالت موجودة ومازالت في كثير من القرى، كيف نمنع هذه العادات السيئة وبعض الأسر تربي الفتاة على فكرة لابد أن تتزوجي وتؤسسي أسرتك، هل حقا الزواج هو كل ما يوجد في هذه الحياة؟!

فعوضا عن تدمير تفكير الفتاة وتنشئتها على أفكار خاطئة، رَبُّوها على الرغبة في طلب العلم وكيف تسير على الدين الصحيح والعمل باجتهاد وتفان وعلى الأخلاق والإحترام وتحمل المسؤولية، فعلى الأقل يوم تقرر الزواج ستتحمل مسؤولية قرارها ولن تلقي اللوم عليكم لو حدث بينها وبين شريك حياتها مشاكل، وحتى وان قررت الانفصال سيكون لها ذخرا قارا يساعدها على ان تكمل حياتها بمفردها دون ان تعتمد عن أي كان.

لكن -لا حياة لمن تنادي- أغلب الفتيات أحلامهن مبنية على الرجل وكأنه مصباح سحري سيوفر لهن كل ما يطلبن ويحلمن به. استيقظي يا ابنتي من غفوتك واحلامك السرمدية، فلن تجدي هذا الرجل وان كنت ملكة الحظ والجمال، فلا تحلمي كثيرا لكي لا تصطدمي بالواقع القاحل المر من كل المشاعر والجوانب، والمثال الأقرب لما ذكرت، ما حدث لصديقتي التي هي الأخرى كانت تحلم بالفارس الشجاع وإذا بها تتفاجأ بالواقع المر.

ثلاث سنوات وهي تعاني وتنتظر أن يتغير زوجها ولكن للأسف كلما مرت الأيام زاد عنفا وكرها، وقساوة وصرامة، والطامة الكبرى أنهما رزقا بطفل!! وعوض أن يتغير ويحن قلبه أصبح أكثر استبدادا من فرعون ويعامل ابنه معاملة سيئة؛ أيعقل أن يعنف طفل رضيع من طرف والده وعمره لم يتجاوز التسعة أشهر؟ حقا لم أر أقبح وأبشع من هذا الرجل…

هل تعلمون ماذا قالت صديقتي التي تحدثت معي بعد أن كانت أخبارها منقطعة؟ قالت:أرجوك يا كوثر، أرجوك لا تقطعي الخط واسمعي.. أتوسل إليك أن تسامحيني لما قلته لك سابقا، أعلم أني مخطئة جدا، سامحيني لم آخذ كلامك على محمل الجد، ها أنا ذي أعاني في الغربة نتيجة قراري المتسرع، وما كنت أسمعه من أمي والفتيات غير الناضجات جعلني الآن أتجرع الحزن والألم الشديد، وحياتي الآن كابوس لا يطاق، يا ليتني استمعت لحديثك الهادف ونصحك القيم، يا ليتني كنت بوعي فكرك.. يا كوثر أشعر أن كل الأبواب مغلقة في وجهي ولا أعلم أي مكان سأذهب إليه، إنني ضائعة يا كوثر وندمت ندما شديدا.. إني ضائعة يا كوثر…”.

كل هذا الكلام سمعته بآذان صاغية وسقط على قلبي كالسهم الحاد، لأني كنت أعلم أن النهاية ستكون مأساوية. لكن لم تعد تغريني هذه الكلمات، قد يعتبر البعض أني قاسية لكن هذه هي الحقيقة، حذرتها ولم تسمع كلامي، فما قيل ليكان أردأ وأقسى وما يزال الجرح قائما وينزف إلى الآن.

لكني لم أرد الإساءة وقبلت أن أساعدها بما أعرفه وأدرسه في تخصصي، فعلا ساعدتها ووجهتها إلى بعض المراكز والجمعيات التي ستساعدها لأن أوروبا دولة الحق والقانون وتقف مع المرأة المعنفة إلى أن تسترجع حقها. ولكن لن تعود العلاقة كالسابق، “لذلك احذروا من بعض الكلمات الجارحة التي تبقى معلقة على جدار القلب مدى الحياة“، قد ألقي عليك التحية والسلام وأساعدك عندما تطلب المساعدة، لكن لكي نعود كما كنا فهذا مع من سابع المستحيلات. لأني عندما حذرتها مرارا وتكرارا اعتبرت تحذيري غيرة وحسدا -كلمتان صغيرتان لكنهما قاسيتا المعنى- والمضحك أنها تعلم علم اليقين أني لست من هذا النوع، وتعلم جيدا قراري الخاص بالزواج وتحدثنا حوله ألف مرة، ولكن للأسف “سرعان ما تعمى القلوب وتغفل العقول” فاحذروا من تصرفاتكم و كلماتكم.

لذلك على كل شخص أن يتحمل مسؤولية قراراته، لكي لا يقع ضحية من الضحايا الهامدة نتيجة العادات السيئة، فالزواج ليس لعبة يا بشر، الزواج عمر كامل وليس دقيقة أو دقيقتين، والشخص الواعي هو من يختار الشريك المناسب، لذلك ركزوا على حياتكم واتركوا الناس مع قلوبها، لم نطلب منكم أن تقرروا نيابة عنا، فكفاكم نبشا وبحثا وسؤالا عن حياتنا وأمورنا الخاصة، هذه حياتنا ونحن من علينا الاختيار وتحمل نتائج قراراتنا.

لذلك لا ترتكبوا الخطأ الذي ارتكبته صديقتي، قد أكون غاضبة منها نتيجة فرضياتها الخاطئة وقلة وعيها ولكن لن أتحمل أن تتأذى وخصوصا من طرف رجل لا يملك ذرة من الأخلاق والاحترام، ولا يعرف عن الإسلام سوى الملابس الطويلة، هل هذا هو الإسلام بنظرك أيها الأحمق؟ قبل أن تقول هذا الكلام عليك أن تعلم أن الإسلام أخلاق ومعاملة وليس ضربا وتعنيفا وكلاما جارحا، والآن تطبق عليك مقولة: لباسهم لباس الإسلام وعقولهم عقول الجاهلية.. ويا أسفاه عليك، فلو كنت فعلا رجلا واعيا ستفهم أن المشاكل تناقش وتحل بالحوار وليس بالضرب والكلام الجارح.

والله إني لأكتب هذا المقال ونار الغضب تكاد تخرج من عيني، والحمد لله أن هذا الشخص ليس أمامي وإلا لكانت النتائج وخيمة.

صغيرتي، طفلتي، أمي، عمتي، خالتي، صديقتي وجارتي، باسم كل امرأة أينما كانت وفي أي بلد كانت، لا تتزوجي لأنك اقتربت من سن الزواج، ولا لأن صديقاتك تزوجن، ولا لأنك تودين التجربة، ولا لأن من تعرفينها تزوجت برجل ذي منصب كبير.. تزوجي حينما تجدين الشريك المناسب، من يكون سندك وحبيبك وصديقك، من يدعم طموحاتك ويقف معك رجلا لتحقيق أحلامك، عوض أن تكون أحلامكن متوقفة على الفارس الوهمي، حاولي أن تتعلمي لغة جديدة أو حرفة جديدة تضيف شيئا لحياتك، وادرسي وكافحي حتى تحصلي على ما تريدين، فحينما ستكون حياتك مشغولة مبنية على أحلام واضحة وأهداف هادفة، لن تنتظري هذا الفارس، وستطمحين أن تحققي أحلامك بمفردك، فلا تتبعي طريق القطيع، وحاولي أن تكوني أنت بمميزاتك وعيوبك، من سيحبك سيحبك كما أنت.. وأي قرار واختيار ليس في محله سيحكم عليك بالسجن تهمة المحكوم المظلوم، فلا تقولي أن مجتمعي غير ناضج لأنه والله لو تركت حياتك بيدهم ستجدين نفسك في دائرة “التاريخ يعيد نفسه”.

لذلك أنت من عليك الاختيار والتريث في اتخاذ أي قرار، فالزواج ليس لعبة بيد البشر يا صغيرتي، بل عمر كامل لكلا الطرفين، يقرران بناء حياة جديدة مبنية على أسس قيمة متينة بالقواعد والمبادئ والقيم، بمجرد أن تختل قاعدة ستختل باقي القواعد، لذلك حرية الاختيار وحرية القرار بين يديك والسلام.
وبغض النظر عن طقس يوم غد، فأنا لست قلقة أبدا.

ألو مركز قضايا المرأة العربية في الاستماع

Exit mobile version