الدراما المغربية.. عودة محمودة

في الوقت الذي تراجع فيه مستوى الدراما المصرية ونظيرتيْها السورية واللبنانية اللّاتي طالما اكتسَبْن ودّ المشاهد المغربي واحترامه الكبير، استطاعت الدراما المغربية أن تقدم مؤخرا أعمالا فنية تلفزيونية ترقى إلى المستوى المطلوب، خاصة انتظارات الشباب والفئة المثقفة التي أدارت ظهرها للشاشة المغربية لسنوات عدة.
فاجأتنا “القناة الأولى”، السنة الماضية، بإنتاج مسلسل رمضاني تحت عنوان “الوجه الآخر”؛ الذي نال إعجاب الكثيرين بغض النظر عن بعض الأخطاء والهفوات، ولقد استطاع لفت انتباه الجمهور المغربي وتسليط الضوء على الدراما المغربية من جديد؛ بالإضافة إلى أعمال تلفزيونية أخرى متميزة كمسلسل “رضاة الوالدة” و مسلسل” الدنيا دوارة” ….ورغم أنها أعمال تُعَد على أصابع اليد، غير أنها استطاعت كما قلت بث الأمل في مشاهدة الأفضل باعتبارها  مؤشرات جيدة لمستقبل الصناعة التلفزية المغربية.
وتطوَّر المستوى أكثر هذه السنة مع مسلسل “الماضي لا يموت”؛ هذا العمل التلفزيوني الذي يُحسب للإذاعة التلفزية المغربية “الأولى”، والتي أعادت للجمهور المغربي الثقة في المنتوج المحلي على عكس “القناة الثانية” التي لا زالت تتخبط في عشوائيتها من برامج وأخبار ومسلسلات. ولم يكن هذا الثناء على المسلسل وليد الصدفة، بل لكونه عملا إبداعيا حاز على نسبة مشاهدة عالية في العالم العربي، وقد أشاد بجودته ليس النقاد فقط، وإنما من هو أهم منهم،الجمهور المغربي المتطلِّب، فقد تم ذكره وتقديمه كعمل فني مغربي جيد ومتميز في عدة مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر بوتقة تزكية الأعمال الجيدة وفي الآن نفسه إحراج تلك التي تستخف بالمُشاهد المغربي. لقد لقي هذا المسلسل نجاحا كبيراً واستحسانا في الوسط المغربي، لأنه استوفى تقريبا جميع شروط نجاح أي عمل تلفزي من سيناريو وإخراج وتمثيل وتصوير، ولا ننسى اختيار الممثلين الجِدَّ مُوفّق؛ مكوناتٌ رفعت السقف عاليا أمام باقي الأعمال.
فيما يخص السيناريو، فقد وجدناه مكتوبا بطريقة محبوكة، بُنِي بأسلوب فني جيد يحترم ذكاء وعقل المشاهد، قصة انتقام منطقية مليئة بالتشويق، العنصر التسويقي للمسلسل طوال ثلاثين يوماً.
أما من ناحية التمثيل، فعلاوة عن وجود فنانين وازنينَ في الساحة المغربية، أمثال رشيد الوالي وفاطمة خير، فقد ظهرت وجوه شابة صاعدة متمكّنة مما تقدمه، وأُشيد بالضبط بأداء الفنان أمين الناجي الذي أدى دور الشخصية المضطربة في الخفاء والسّوِيّة علناً. لقد أبانت هذه الوجوه عن علوّ كعبها في التمثيل وحجزت لها استحسانا كبيرا في قلب وذاكرة المُشاهِد المغربي.

وما هو أهم من التمثيل والسيناريو، الإخراج؛ هذا الأخير كان في المستوى المطلوب أيضا، فقد رأينا لأول مرة سيارة تنقلِب براكبيها على الطريقة الهوليودية، رأينا تجسيدا واقعيا للفساد والغنى وأسرار الحياة المغربية، بل حتى التصوير كان هو الآخر احترافيا أبرز جمالية مدينة الدار البيضاء العالمية والقطب الاقتصادي النابض للمملكة.

لستُ ناقدة سينمائية ولا كاتبةَ سيناريو، ولكني واحدة من أولئك الذين قاطعوا التلفزة المغربية لسنوات عدة، واليوم عادوا إليها لأنها استحقّت ذلك. وفي انتظار أن يبقى الإنتاج التلفزي المغربي على هذا الوضع ولم لا الرُّقي لما هو أفضل حتى يستقطب الجمهور العربي، أتمنى أن تجد الكوميديا المغربية بوصلتها المفقودة وحلاًّ لأزمتها هي الأخرى؛ أزمةٌ طالت حتى ضاع عطرها الكريه، فلا أحد يخفى عليه حال الكوميديا المغربية في نَفَقِها النمطي “الحُموضي”.