الممارسة الأدبية للمرأة العربية

بين المطرقة والسندان

يشهد التاريخ على الحرب الضروس التي خاضتها المرأة منذ القدم في سبيل نيل حقوقها والعيش بكرامة والتمكن من تقرير مصيرها بمفردها والتخلص من الاضطهاد الذكوري الأزلي لها..

ولعل أبرز الحروب التى خاضتها في العصر الحديث، تلك الحرب التي وضعت فيها قلم الكُحل والحُمرة لتحمل بدلها القلم لتكتب عن ما يختلج صدرها وتروي ماضي مآسيها وحاضر آمالها ومستقبل انتصاراتها.. قاطعة بذلك الطريق على من سلبوا منها لعقود الحق في التعبير عن ذاتها، فكتبوها كما رأوها وكما اشتهوها وكما رغبوا بها أن تكون.

إلى أن ظهر ما يعرف بالادب النسوي مطلع القرن التاسع عشر ليفسح المجال للمرأة لدخول عالم الأدب ومن ثم الافصاح عن مكنونات طبيعتها الانثوية واحتياجاتها ومعاناتها بمطلق الحرية، مثيرة بذلك جدلا واسعا واستهجانا شديداً من النقاد خصوصا في اولى مراحله حيث اتسم الأدب النسوي العربي آنذاك بالتقليد ومحاكاته للادب الغربي النسوي من حيث جراءة مواضيعه وجموح افكاره، وزادت نقمة النقاد عليه بعدما انتقل إلى مرحلة التمرد على المضامين التقليدية بالاتجاه الى حرية الطرح فمرحلة الثورة على الاعراف الذكورية دفعة واحدة.

والمُلاحَظُ من الكتابات النسوية هو تحقيقها لفكرة مركزية الذات الانثوية في السرد إذ عَنتِ المرأة الكاتبة أولا بقضاياها الخاصة وهذا ما تجلى في الذاتية التي لا تكاد تفارق كتاباتها من خلال سرد مآسيها وخيباتها فجنوحها ونجاحاتها وهو ما جعل الفكر الذكوري يدق ناقوس الخطر من قيام ثورة فكرية نسائية تتبعها حركات تحررية من شأنها تغيير الاعراف الذكورية السالفة الوجود.

وقد عزّز ذلك هيمنة الشخصيات الانثوية على عالم النص النسائي وإقصاء الشخصيات الذكوية أو تهميشها.. بل وحتى تبشيعها بشاعة الخيبات والمآسي التي عانتها المرأة منذ القِدم.

وفي مواجهة ذلك صدحت حناجر النقاد المتطرفة وسال حبر ذكوري مشبع بالسخرية تارة وبالهجوم تارة أخرى على هذا النمط الأدبي واصفين إياه “بالأدب المكشوف” أو “بأدب الجسد” معتبرينه بذلك أدبا ماجنا لا يُعنى بغير “الجنس“.

وتمادى “أنيس منصور” بالسخرية حين وصفه “بأدب الاضافر الطويلة” وغير بعيد عن ذلك أسماه “إحسان عبد القدوس” “بأدب الروج والمانكيير” الى غير ذلك من التسميات التى تصب في مصبِّ نعته بالأدب “الحريمي” بأسلوب احتقاري بحت.

وبالرجوع إلى الوراء قليلا نجد أن التاريخ لا يستثني اسلاف أدباء الحاضر في شيئ، فالتاريخ نفسه يروي حادثة “للنابغة الذبياني” وهو يسارع للتخفيف من غضب “حسان ابن ثابت” عندما اعترف هذا الاخير بشاعرية الخنساء فيطمئنه بقوله: “إنك لشاعر وإن أخت بني سليم نواحة..

وبعيدا عن الهجوم النقدي واجه الأدب النسوي هجوما من نوع آخر، يتمثل في سلسلة عراقيل تبدأ بصعوبات في النشر وتتعداه الى التهميش والتجاهل والحرمان من التكريمات والجوائز، لا بل ويصل الأمر إلى متابعات قضائية وأحكام بالسجن والطرد على غرار الكاتبة الامراتية “ظبية خميس” التي واجهت السجن ثم الطرد من الأراضي الإماراتية بسبب احدى مؤلفاتها، والكاتبة المصرية نوال السعداوي” التي واجهت السجن هي الأخرى دون أن ننسى الاردنية “سهير التل” التى واجهت نفس المصير، كما لا يخلو الأمر من أحكام تغريم كما حدث مع الكاتبة الكويتية “ليلى العثمان” ومحاكمة اللبنانية “ليلى بعلبكي” وغيرهن…

أما الجزائرية “احلام مستغانمي” فقد واجهت تهمة تختلف بعض الشيء عن سابقاتها فقد اتهمت تارة بسرقة روايتها البكر “ذاكرة الجسد” وتارة أخرى اتهامها بالاستعانة بقلم ذكوري من أجل الكتابة والنشر لصالحها..

اختلفت الوسائل والهدف واحد.. محاربة الاستفاقة الفكرية النسائية.
لكن الحقيقة أن لا أحد يستطيع نكران أن المرأة العربية قد خطت خطوات حثيثة في مجال اثراء الأدب العربي بصفة عامة، والتحدث بشكل أفضل على ما تكنه ذاتها والاسهاب في شرح لما يختلج صدرها ويعزّي رغباتها هو بالأمر الذي لن يقدر عليه سواها.عدا عن كونها خلقت نمطا جديدا يوازي النمط الذكوري القديم لا وبل يستفزه للخروج عن نمطيته التي باتت تطارده في الآونة الأخيرة.

أن تبني فكرا جديدا لا يشبه الفكر الذكوري المستهلك لا يضير الابداع في شئ، والحري بالاقلام النقدية الكف عن الاتكاء على عكاز الذكورة في معالجة أي ابداع فني لأن مطاردة التجربة الادبية عند المرأة لن يزيدها إلا تفوقا وابداعا.

الممارسة الأدبية للمرأة العربية

سلمى بن دعاس

استاذة لغة فرنسية. مهتمة بالادب.. بالترجمة و الكتابة الفلسفية كتبت رواية تحمل عنوان (عندما نشتهي..نشتري).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *