هل فعلاً عجز المُشرّع المغربي عن احتواء الجريمة الإلكترونية ؟

قبل الخوض في تفاصيل الموضوع، لا بدّ من الرجوع إلى تعريف المقصود بـ”الجريمة الإلكترونية”. نجد أن المشرِّع المغربي في القانون رقم 03-07 الذي تمّم القانون الجنائي، لمْ يُعرّف الجريمة الإلكترونية تعريفاً دقيقاً بل عدّدَ مجموعة من الأفعال التي يعد مرتكبها مرتكباً للجريمة الالكترونية، ولكن مع ذلك يمكن القول إنه ما دام أن الأمر يتعلق بمقتضيات زجرية منصوص عليها في القانون الجنائي، فإنه يسري عليها التعريف المنصوص عليه في القانون الجنائي للجريمة بصفة عامة والمقصود بها “كل فعل أو امتناع مخالِفٍ للقانون الجنائي ومعاقب بمقتضاه”.
اليوم، وفي خضم العيش في هذه الثورة التكنولوجية التي لا ننكر إيجابياتها منقطعة النظير، حيث ساهمت بشكل كبير في تطوير نظامنا، وتقوية جهازنا الأمني، وتحديث الدولة وجوانب الحياة عموما، لكنها في الوقت نفسه، كانت سببا رئيساً في ظهور نوع جديد من الجريمة وساهمت في تطوّرها؛ الشيء الذي لم يكن من السهل استيعابُه داخل الترسانة القانونية بشكل سريع، بل شكَّل معضلة للمهتمين بالمجال الحقوقي بالمغرب عامة، والمشرّع الجنائي بالخصوص، فكيف حاول المشرع المغربي احتواء هذا السلوك الإجرامي ذي الطابع المعلوماتي ؟
يمكن القول إنها وعكة ألمَّتْ بالمشرع الجنائي المغربي في ظل الشُّح والعِوَز الكبير الذي يعانيه في هذا الإطار؛ فبْين أزمة الشرعية الإجرائية، وصعوبة إثبات الجريمة، وإشكالية الاختصاص تاهَ المشرع المغربي ووقف عاجزاً في البداية، هذه الإشكاليات التي ذكرنا جفت فيها أقلام المهتمين والحقوقيين لدراسة جوانبها باحثينَ عن مخرج.
أوّلُ ما يمكن الحديث عنه هو أزمة الشرعية الإجرائية، ما يتعلق بالقاضي المغربي المقيد بما يعرف بـمبدأ شرعية الجرائم “لا جريمة ولا جزاءَ إلاّ بنَصّ”؛ فلا يستطيع تجريم أفعال عُرضت عليه ما لم ينص عليها المشرع المغربي صراحة في فصوله ولو كانت أفعالاً خطيرة.
أما عن إشكالية الإثبات، فإن الجهات التي أوكل إليها المشرع المغربي الاختصاص الحصري في البحث والتحري، والتحقيق، لسبر أغوار واقع الجرائم المعلوماتية بالمغرب لا زال يَعتريها القصور الجنائي الواضح للقاعدة القانونية المعلوماتية، فإثبات الجريمة الإلكترونية تكتنفه مجموعة من الصعوبات: على رأسها عدم وجود أثر مادي للجريمة، والأخطر من ذلك أن هذا النوع من الجرائم لا يعترف بالحدود، والمسافات.
في هذا الصدد، نذكر، أيضا، إشكالية الاختصاص في هذا النوع من الجرائم، إذ يمكن القول إن القواعد التقليدية للاختصاص القضائي للأسف لا يمكن إسقاطها على الجريمة الإلكترونية المرتكبة في وسط تنعدم فيه الشروط الجغرافية، والحدود، فهي تعتبر جريمةً عابرة للحدود؛ ذلك أن السرعة الهائلة للابتكار في هذا المجال تجعل إثبات هذه الأفعال صعباً في غياب -إنْ لم نقل- قلة الخبراء المختصين في المجال، وصعوبة استعمال وسائل الإثبات التقليدية لإثبات الجريمة الإلكترونية.
إن الجرائم الالكترونية غالبا ما تتم عبر الأنترنيت وعن طريق الربط بين مختلف الشبكات على المستوى الدولي. ومعلوم أن مفهوم الحدود الجغرافية والمَكانية يُلغى على هذا المستوى لذلك تواجه السلطة العامة صعوبة بالغة في إثبات ارتكاب هذا النوع من الجريمة وتحديد الفاعل، ومكان الارتكاب، بشكل دقيق، ذلك أن الصعوبات التي تعيق البحث هي إخفاء الهوية عن طريق الهويات الخاطئة أو عن طريق تزوير كل المعلومات أو من خلال التسجيل ببطاقة معلوماتية مسروقة أو مزورة والتي يتم بواسطتها شراء البضائع وارتكاب جرائم خطيرة.
نحن اليوم على دراية تامة بأن الجريمة الالكترونية هي نتاج حتمي للتطور العلمي والتقني الملحوظ الذي شهده عالمنا، ولذلك أوجَبَ تحديثَ الترسانة القانونية بشكل يتماشى مع واقع العولمة لأن إسقاط النصوص التقليدية، ومحاولة تكييفها مع الجريمة الالكترونية ما هو إلا تفسيرها على نحو لا تحتمله.
وفي غمرة حديثنا، لا بأس أن نشمل بالذكر محاولات المشرع المغربي لاستيعاب الجريمة الالكترونية، فقد تم تتميم القانون الجنائي بمجموعة من الأفعال المعتبَرَة في حكم جرائمَ متعلقة بنُظُم المعالجة الآلية للمعطيات من الفصول 607-3 الى 607-11 أو ما يعرف بالجرائم الالكترونية؛ وفي هذا الإطار، فإن الأفعال التالية تدخل في تصنيف هذه الجرائم، ومنها:
  • الدخول إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال.
  • البقاء في نظام للمعالجة الآلية للمعطيات أو في جزءٍ منه تم الدخول إليه عن طريق الخطأ من طرف شخص غير مخول له حق الدخول إليه.
  • أو فصول أخرى تهتم بجرائم أخرى: الفصل 540 المتعلق بجريمة النصب والفصول 575 الى 579 التي تهم بعض الاعتداءات على المِلكية الفكرية و الأدبية والفنية .. وهذا كله خدمةً للعدالة الجنائية.

ورغم كلّ هذا، تبقى مجهودات المشرّع المغربي قاصرةً عن الإحاطة بمختلف مظاهر الجريمة الإلكترونية، في عالمٍ التطورُ المتسارع سِمته الأبرز.

Exit mobile version