صحابيٌ زاهد، الثعالبي والقسّام.. وبعضٌ من بطولات “العثمانـيّين الجُدد” #29

عبد الرّحمن بن عوف

هو صحابي من العشَرة المبشرين بالجنة، وأحدُ الثمانية الذين سبقوا بالإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين انتقاهُم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعدِه.

كان لعبد الرحمن بن عوف منزلة كبيرة في عهد عمر، فكان الفاروق يستشِيرُه، ولمَّا حدث طاعون “عمواس” سنة 18هـ وانتشر في أطراف البلاد، كان عمر بن الخطاب يريد أن يذهب للشام وقتها، فلما كان بسَرغٍ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام، فنصحه عبد الرحمن بن عوف بالحديث النبوي: «إذا سمعتم بهذا الوباء ببلدٍ، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا فراراً منه»، فعاد عمر وصحبُه إلى المدينة المنورة.
ولمَّا فُتِحَت بلاد فارس سنة 22 هـ اختلف الصحابة في أخذ الجزية من المَجوس، فجاء عبد الرحمن بن عوف وأخبر عمر أن النبي أخذ الجزية من مجوس هجر، فأخذ عمر بشهادة عبد الرحمن وبعث كاتبا لجزْء بن معاوية يخبره بأخذ الجزية.
سنةً بعدها؛ استخْلَفَه عمرُ بن الخطّاب على الحجّ، فحَجّ عبد الرحمن بالنّاس وحَجّ مع عمر أيضًا، وهي آخرَ حجّةٍ حَجّها عمرُ، والتي أذِنَ فيها لأزواج النّبيّ بالحجّ، فَحُمِلْنَ في الهَوادِج وبَعَثَ معهنّ عثمان بن عفّان وعبد الرّحمن بن عوف اللذان كانا يسيران من أمامهن وخلفِهنّ، وينزلان قبلهن في كل شِعبٍ لحمايتهن ولكي لا يمر عليهن أحد.
فلمَّا طُعِن عمر بن الخطاب ودَنَتْ وفاته، أوصى بأن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممّن توفيّ النبي محمد وهو عنهم راضٍ وهم: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص.
في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، كان عبد الرحمن بن عوف يحظى بمنزلة مشابهة لمنزلته في عهد عمر. وكان عبد الرحمن زاهدًا في الإمارة لدرجة أن عثمانا كتب له العهد من بعده يستخلفه على المؤمنين، فقام عبد الرحمن يدعو بين القبر والمنبر قائلا: «اللهم إنْ كان مِن تولية عثمان إيّايَ هذا الأمر، فأمِتْني قبله»، فلم يمكث إلا ستة أشهر حتى مات.

 

عبد العزيز الثعالبي

سياسي ومفكر تونسي، كرّس حياته لتحرير تونس من الاستعمار الفرنسي والدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية. كان يؤمن بفكرة إحياء الأمّة العربية بروح الإسلام، مع الاعتماد على التوفيق بين الحداثة والإسلام وتطوير جوانب الإصلاح فيه.
نشط الثعالبي في الحزب الوطني، الذي يعد أول حزب يطالب بتحرير تونس سنة 1895، بعد ذلك أسس “الحزب الوطني الإسلامي”، ثم انخرط عام 1908 في حزب “تونس الفتاة”، وكان نضاله متّصِلًا بالحركة الإسلامية ومركّزاً على المطالبة بالتحرر.
مَكّنه إتقان اللغة العربية وآدابها من مواجهة الاستعمار الفرنسي بقلمه؛ حيث كان يكتب مقالات في عدة صحف تونسية وعربية من أجل فضح جرائم الاستعمار الغاشم والدعوة للاستقلال.
نادى حزب تونس الفتاة بالارتباط بالخلافة الإسلامية والتحرر، ما عرضه لمضايقات وتنكيل سلطات الاستعمار، فاضطر الثعالبي إلى السفر إلى تركيا ومصر عام 1898 حيث التقى عددا من الشخصيات وأثار معهم القضية التونسية، وبعد أربع سنوات عاد إلى تونس وسجن شهرين.
بعد إطلاق سراحه خرج ينادي بالإصلاح الذي لم يرض عنه الفرنسيون وبعض المشايخ، وحاول عام 1911 مساعدة المجاهدين في ليبيا ضد الاستعمار الإيطالي فنفاه الاستعمار إلى الخارج.
عاد إلى تونس عام 1914 بعدما أصر الشعب التونسي على رجوعه وأضربتِ البلاد لمدة ثلاثة أيام، فظل عاملا في مجالات الإصلاح وداعيا لتحرر الشعوب العربية إلى أن اعتُقل سنة 1920.
مرة أخرى ضغطت جماهير الشعب التونسي على الاستعمار، فأطلق سراح الثعالبي عام 1921 حيث ترأس “الحزب الدستوري” آنذاك، لكن سلطات الاستعمار قامت بنفيه إلى الخارج بعد سنتين.
غادر الثعالبي تونس إلى إيطاليا ففرنسا ثم إلى مصر فالشام، واستقر به المقام في العراق حيث درّس في جامعة آل البيت ببغداد منذ سنة 1925 إلى سنة 1930. ثم ترك العراق إلى مصر ومنها سافر إلى الصين، وسنغافورة وبورما والهند ثم عاد إلى القاهرة وذلك للدعوة لتحرير الشعوب العربية.
نجح عام 1937 في العودة مرة أخرى إلى تونس وحاول استرداد الزعامة في الحزب الدستوري وفي الحياة السياسية، لكنه أخفق لطول غيابه عن البلاد. ولما عاد من المنفى إلى تونس عام 1937 تفرّغ في سنواته الأخيرة للكتابة والتأليف.

 

القسّام.. “الفكرة لا تموت”!

عزّ الدين القسّام، عالم مسلم وداعية ومجاهد وقائد، تربى في أسرة متديّنة عُرفَ اهتمامُها بالعلوم الشرعية، ثم ارتحل إلى الجامع الأزهر بالقاهرة سنة 1896م عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، وتخرّج منه سنة 1906م.
احتل الفرنسيون الساحل السوري في ختام الحرب العالمية الأولى سنة 1918م، فثار القسّام في جماعة من تلاميذه ومريديه فطارده الفرنسيون، فقصد دمشق إبان الحكم الفيْصَليّ ثم غادرها بعد استيلاء الفرنسيين عليها سنة 1920م، فأقام في حيفا بفلسطين، وتولى فيها إمامة جامع الاستقلال وخَطابته، ورئاسة جمعية “الشبان المسلمين”. واستطاع القسام في حيفا تكوين جماعة سرية عُرفت باسم “العُصبة القسّامية”. وفي عام 1935م شددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركات القسام في حيفا، فقرر الانتقال إلى الريف حيث يعرفه أهله منذ أن كان مأذوناً شرعياً وخطيباً يجوب القرى ويحرّض ضد الانتداب البريطاني، فأقام في قَضاء جنين ليبدأ عملياته المسلحة من هناك. إلا أن القوات البريطانية كشفت أمر القسام، فتحصن هو وبعض أتباعه بقرية الشيخ زيد، فلحقت القوات البريطانية بهم وطوقتهم وقطعت الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة، وطالبتهم بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك مع تلك القوات، وقتل منها خمسة عشر جندياً، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدة سِتّ ساعات، وانتهت المعركة باستشهاد  القسّام وثلاثة من رفاقه.

عبد الحميد الثاني

السلطان الخامس والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، وآخرُ مَن امتلك سلطة فعلية منهم. يعرّفه البعض بـ”أولو خاقان” أيْ “الملك العظيم” وعُرف في الغرب باسم “السلطان الأحمر” أو “القاتل الكبير” بسبب “مذابح الأرْمن” التي وَقعت في فترة تولّيه منصبه.
السلطان العثماني عبد الحميد الثاني شخصية تاريخية ينظُر إليها المؤرخون على أنه مصلح عادل، حكم دولة مترامية الأطراف متعددة الأعراق بدهاء وذكاء، ومدّ في عُمْر الدولة والخلافة العثمانية، ووقف ضد الأطماع الاستعمارية الغربية لاقتسام تركة “رجل أوروبا المريض”، مستفيدًا من تضارب هذه الأطماع، فضلا عن موقفه الحازم والرافض لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين رغم الإغراءات العديدة التي قدمها الصهاينة وفي مقدمتهم ثيودور هيرتزل، ولكن رد السلطان عبد الحميد كان: “إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست مِلك يَميني بل مِلكٌ للأمة الإسلامية، التي جاهدت في سبيلها ورَوَتها بدمائها. فليحتفظ اليهود بأموالهم وملايينهم وإذا مزقت يوماً دولة الخلافة فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن؟ أما وأنا حيّ فإن عمل المبضع في بدني لأهوَنُ عليّ مِن أن أرى فلسطين قد بُترت من الدولة الإسلامية“.

العثمانـيون الجُـدد

“إنهم يقولون عنّا إننا العثمانيون الجدد، نعم، نحن العثمانيون الجدد!” هكذا صرح وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو. فمن يقصد بـنحن؟ ولماذا يسمّونهم بـ”العثمانيين الجدد”؟
في سنة 1999، ظهر ثلاثة شبّان غيّروا مجرى تاريخ الدولة التركية، وهم: رئيس بلدية إسطنبول رجب طيب أردوغان، وأستاذ علم الاقتصاد في جامعة “سكاريا” على البحر الأسود الدكتور الأرميني الأصل عبد الله غول، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة “مرمرة ” التركية البروفيسور أحمد داود أوغلو.
لقد قام هؤلاء الثلاثة بتأسيس حزب “العدالة والتنمية” ذي المرجعية الإسلامية، غير أن هؤلاء الشباب طوّروا من أساليب أستاذهم “أربكان“؛ فأخذوا يُسايرون الجيش التركي وجنرالات الجيش التركي المحكوم بيهود الدونمة والعلمانيين. ليأخذوا حقوقهم المشروعة شيئًا فشيئا، ويَسحبوا البساط بشكل تدريجي من تحت أقدام المؤسسة العسكرية؛ وخلال كتابة هذا الكتاب استطاع الرئيس التركي عبداللّه غول من أن ينتزع قانونًا يمنع تدخل الجيش في أيّ انقلاب عسكري، وخلال كتابة هذا العمل أيضًا قامت إسرائيل بأغبى عمل يمكن لدولة أن ترتكبه، فقد قامت بالاعتداء على سفينة تركية مَدنية متجهة إلى قطاع “غزة” قصد كسر الحصار الإسرائيلي عنه، ليسقُط إثر ذلك عدد كبير من شباب الأتراك الأبطال شهداءً في سبيل اللّه كما نحسبُهم. وكان هذا العمل الصهيوني الجبان مقدّمة لبزوغ نجم “العثمانيين الجدد” في الساحة بعد موقف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان البطولي تجاه قضية فلسطين.
وما إنْ بزغ نجم العثمانيين الجدد وارتفعت شعبيتهم في أرجاء العالم العربي والإسلامي، حتى تحركت أقلام المنافقين العرب لكي يهاجموا هؤلاء الأبطال ويعيدوا استخدام الكذبة القديمة “الاحتلال التركي”. لكن الواقع يكذّبُهم؛ فتركيا قوة صاعدة سياسيًا بفضل نظرية أوغلو في “تصفير الصراعات”، وصاعدة اقتصاديًا بسبب سياسة عبد الله غول في خلق أكبر مصانع في الشرق الأوسط المتمثلة في “نمور الأناضول”، وصاعدة شعبياً بسبب بطولة أردوغان، ولا أخفيكم سراً – يقول الكاتب- “إنه بحكم قراءته لصفحات التاريخ المطوية، فنصر الأمة بادٍ أمامه على أيدي أولئك الأبطال”!

 

إشارة لا بدّ منها: رغم أن العظماء الثمانية والتسعين الذين تطرق إليهم الكاتب لغاية الآن عاشوا في زمن بعيد عن زماننا، غير أننا في كثير من المرات وقفنا عند بطولات تشبه بطولات تعيشها الأمة حاليا؛ وهذه المرة استوقفتني مقولة للبطل عبد الحميد الثاني تجسّد بالحرف مستجدات يعيشها الشعب السوداني حالياً، إذ يقول: “ما يتكرر هو الأخطاء وليس التاريخ”.إن الجيش السوداني يكرر الخطأ ذاته الذي اقترفه الجيش المصري في حق معتصِمِي ميدان”رابعة” في القاهرة؛ السيناريو نفسُه وفي توقيت متقارب.. بعد قرابة 6 سنوات على مجزرة رابعة الأليمة، مجزرة أخرى في حق معتصمِي القيادة العامة في السودان… إنها تداعيات الثورة المضادة..  فهل يَعتبِر الجيش الجزائري من التاريخ ويحفَظ مطالب الحراك الذي لا زال سلميا لم تُزهق فيه روحٌ ولم تُسَل فيه نقطة دم واحدة إلى حدود الآن؟ أم أن جيوشنا العربية باتت تحبّ تداول الأخطاء بينها؟

موعدُنا غداً مع آخر جزء يتضمن آخِر بطليْن حسب تصنيف الترباني مؤلف كتاب “عظماء الإسلام”، بطلانِ من طينة أخرى سنُفرِد لهما تدوينة كاملة.
يُـتـبَع…