صفقة زواج

وأد من نوع اخر

أتقدم رويدا رويدا، أشق طريقي وسط هذه الحشود الفضولية وأنا أجر ذيول القهر والخيبة، علي أن أحافظ على ابتسامة رزينة ومحتشمة وفق ما تمليه علينا البروتوكولات.

تجمهر الجميع حولي، بعضهم يرقص وآخر يغني، بل بعض المراهقات تسمرت أعينهن علي راجين أن يكن مكاني، نظرات رغم اختلافها أستطيع قراءة ما تنطوي عليه من أسرار، أستطيع فعلا أن أحزر من يشفق علي لأنه يدري خدع الكواليس وما جرى هناك، ومن من النساء تحترق بألسنة الغيرة نظرا لنسب العريس، جاهه و ثروته بل حتى أولئك الرجال الذين تمنوا لو أن القدر تواطأ معهم وأخذوا مكان العريس ذلك أنني كنت أملك من الجمال ما جعلني أكسب طوال سنوات حياتي الإعجاب، جمال ورثه عن المرحومة أمي التي وافتها المنية وهي تلد أخي الأصغر الذي شق هو الآخر طريقا عرض المتوسط تطلعا لمستقبل أحن بعد أن أصبح الجميع يتطير منه وينظر إليه على أنه جالب للنحس والاذى، لأن-وكما يعتقد محيطي ووفقا للمفاهيم الراسخة في مخيلتهم البالية – ولادته تزامنت ووفاة أمي، لكن الحقيقة هي أن أمي لم تمت، بل قتلت على غرار العديد من الحوامل اللواتي احتضنهن الموت عوضا عن سرير شاغر بمستشفى أو مستوصف. أمي التي كنت سأستنجد بها وأستظل برفضها لصفقة مخزية كهذه.

أما أبي الذي يعض على يدي بشدة رافضا إفلاتها يرتدي لأول مرة ربطة عنق ويخفي قدميه المتورمتان خلف حذاء براق، يحتسي اليوم نخب ربحه في صفقة الزواج هذه ذلك أنه المستفيد الأول من الموضوع ؛ شقة مفروشة على شط البحر ما كان يراها حتى في منامه، سيارة مرسيديس ما كان ليشتريها حتى لو عمل كل حياته، وغيرها من البنود التي تظل لحدود اللحظة سرية وغير معلن عنها، إنه يقهقه ويرقص كالثمل لمعجزة كهذه، فأن يتزوج شاب وسيم وغني بفتاة لم تعرف طوال حياتها سقفا يأويها سوى سقف قصدير بدار للصفيح أمر يحدث فقط بالمسلسلات التركية ومع بطلات ديزني.

لكن ماذا عني وعن عمر الذي أنقذني ووهبني كل ما يملك، حتى روحه جعلها موطنا لي بعد أن أنقذني من موت حتمي بقتله لكلب مسعور كان يلاحقني محاولا افتراسي، لم أكن حينها أعرف عنه شيئا لكنني أعجبت كثيرا ببسالته وفحولته المبكرة إذ لم يبلغ حينها عشر سنوات بعد، ومن يومها وضعنا الحجر الأساس لعلاقتنا التي تطورت وأصبحت متينة أكثر بتعاقب السنوات العجاف والصعاب القاهرة، كان عمر عاشقا لخضرة عيناي ونظم في حضرتهما آبيات طويلة من الغزل، أما أنا فكنت مصابة بالعمى على مقياس الحب لم أكن لأرى يوما غيره رجلا، رأيت فيه الماضي والحاضر والمستقبل، وكنت شديدة الإعجاب بسمرته العربية وسواد شعره الذي أمسح عليه ببناني، أراقص أرنبة أنفه وأقف طويلا أمام اتساع كتفيه الذي يحكي بطولات وأمجاد.

كان برعم أنوثتي يسقى جوار عمر فقط وعليه لم أكن لأسمح لأحد غيره أن يقطف ثمارها غيره. لكن أبي لا يؤمن بقوة الحب هو يسير على مذهب الماديات يعتنق الثروة والغنى دينا، ويؤمن فقط بسلطة المال وقوته! فلم يتردد لحظة في الاختيار بين عمر وبين بطله الجبان هذا، فشتان بين من يتخذ من الغنى اسما ونسبا وبين من يلقي بنفسه كل صباح في رحم البحر أملا في أن تعلق سماك بشباكه مانحة إياه قوت يومه!
فما كان له إلا أن يذبحنا معا -أنا وعمر- بسكين القهر بانتهازية وتلذذ..

.ثلاث خطوات فقط وأسلم لمجرمي الذي يبتسم فرحا بصيده الثمين هذه الليلة، سأسليه كثيرا وأداري ملله طيلة الأشهر الأربعة المقبلة، وما أن يعتاد علي حتى يهجر ويعنف ويولي ظهره بحثا عن صفقة جديدة في بورصة الحب.
فالذين قالوا بأن قتل الموؤودة انتهى في عصر الجاهلية،لايعرفون حقا ما يحدث الآن معي وما حدث وسيحدث لآخريات على غراري. ذلك أن الدفن والقتل لم يتغيرا، تطورت فقط مراسيمهما بما يجاري العصرنة والتجديد!

صفقة زواج

خولة الفلاحي

يستهويني الحرف ويجذبني القلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *