بطلٌ من الهند وآخرُ من باكستان، وثالث من أدغال إفريقيا.. ورجال خَلّدهُم القرآن #28

أعظمُ سلاطين مَـغول الهند

“أورنكزيب عالم قير” أو “أورانجزيب”، هو آخر سلاطين مَغول الهند العظماء، بل يعدّ أعظمَهم على الإطلاق.
أورنكزيب: معناها بالفارسية “زينة المُلك”، بينما تعني عالم قير بالفارسية، “جامع زمام الدنيا أو العالم”؛ فهي ألقابٌ وليست أسماء. وقد قال عنه الشيخ علي الطنطاوي : “بقية الخلفاء الراشدين”.
عُرف عنه أنه لم يكن يعطي عالماً عَطِيّة أو راتباً إلا طالبه بعمل، بتأليف أو بتدريس، لكيْ لا يأخذ المال ويتكاسل، فيكون قد جمع بين السيئتيْن، أخذُ المال بلا حق وكتمان العلم! كما أنه أول من عَمِل على تدوين الأحكام الشرعية في كتاب واحد يُتخذ قانونا، وضع له وبأمره وبإشرافه وتحت ناظره كتاب “الفتاوى الهندية – العالمكيرية” على المذهب الحنفي.
وقد دخل ملايين من البوذيّين بالهند في الإسلام ووقف حائلا للمد الشيعي الصَّفَوي على البلاد، وألّف كتابا شرح فيه أربعين حديثا شريفا -على غرار الأربعين النووية– وكان يكتُب بخطّه المصاحف ويبيعها، ويعيش بثمنها لما زهَد في أموال المسلمين وترك الأخذ منها.

“عبد القدير خان”.. رئيس برنامج باكستان النووي

إنه عبد القدير خان، عالم نووي باكستاني يُنظر إليه محلياً على أنه “بطل قوْمي” بعد أن أدخل بلاده “نادي الدول النووية”. اشتغل بعد حصوله على الدكتوراه كبيرَ خُبراء المعادن في شركة (FDO) الهندسية الهولندية، التي كانت يومئذٍ على صلة وثيقة بمنظمة “اليورنكو” المهتمة بتخصيب اليورانيوم.
ولقد كان تفجير الهند قنبلتها النووية الأولى عام 1974م سببًا في استنفار باكستان جهودها من أجل التوازن مع جارتها، فقام رئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو باستدعاء عبد القدير سنة 1975م من هولندا ليُسنِد إليه رئاسة .
وانطلق البرنامج على يد عبد القدير فأنشأ في مدينة كاهوتا القريبة من مدينة راولبندي معامل هندسية للبحوث عام 1976، وقد سُمّيت تلك المعامل بـ”معامل الدكتور عبد القدير خان للبحوث” تثمينا لجهوده البحثية.
وقد ساعده كتمانه الشديد على نجاح مشروع إنشاء القنبلة النووية الباكستانية كما ساعدته علاقاته بالشركات الغربية ذات الصلة بميدان التخصيب وبناء آلات الطرد المركزي على أن يشتري ما يُعينه على بناء مختبراته وتطوير بحوثه.
في شتنبر 1986، حدث أول تفجير نووي باكستاني تحت سطح الأرض حسب صحيفة ‘واشنطن بوست’ الأمريكية. ويستغرق البرنامج النووي الباكستاني، الذي أتمّه عبد القدير في ستة أعوام، عقديْن من الزمن، عادة، في الدول الغربية ذات التقاليد الراسخة في مجال الصناعة النووية.
بسبب القنبلة النووية، تعرضت باكستان للعديد من الضغوط من الدول الغربية بدءا بالعقوبات الاقتصادية ثم حظر التعامل التجاري، فضلاً عن الحملات الإعلامية التي استهدفت الشخصيات الباكستانية. وتُوّج هذا الضغط برفع قضية ضد عبد القدير خان بداية الثمانينيات في هولندا تتهمه بسرقة وثائق نووية سرية، وهو أمر نفاه خان وفنّدته حكومة إسلام آباد مرارًا، وقد أسْقَطت التهمة محكمة أمستردام العليا بعد ذلك.
في عام 1981، قام بنشر كتابه “القنبلة الإسلامية” بالإنجليزية، كما نشَر حوالي 150 بحثا علميا في مجلات علمية عالمية. وحصل عبد القدير خان، طيلة مساره، على 13 ميدالية ذهبية من معاهد ومؤسسات مختلفة، ومُنح وسام “هلال الامتياز” عام 1989، ثم “نيشان الامتياز” عام 1996 وقد منحته إياهما باكستان تقديراً لجهوده.

 

أحمد ديدات، “أسَد المُناظرات”

أحمد ديدات شخصية إسلامية جليلة. يمكن تلقيبه بأسَد المناظرات الذي رافع عن الإسلام وعدله في وجه المسيحيين بلا خوف أو تردد.
يقول الداعية ذاكر نايك عن أستاذه ديدات رحمه الله:
“أحب أن أعطي مثالاً لرجل كان لديه إمكانيات قليلة ولكنّه وصل للقمة في مجاله، وهو الشخص الذي غيّر حياتي، وحوّلني من طبيب للأجساد إلى طبيب للأرواح، اسم هذا الرجل هو الشيخ أحمد ديدات”.
ومن مواقف ثبات الشيخ وعدم تنحّيه عن طريق الدفاع عن دين الإسلام، أنه كان في عام 1986 بصدد مُناظرة القِسّ “جيمي سواجارت” الذي كان آنذاك أقوى وأشهر شخصية تلفزيونية مسيحية؛ وقبيل هذه المناظرة ببضع أسابيع فقط نصح أحد المتابعين الشيخ ديدات بهذه العبارات: “يا شيخ أحمد ديدات، أنا من متابعيك، ولكني أريد أن أعطيك نصيحة: هذا الرجل جيمي سواجارت أنا أعرفه، فقد درست شخصيته، رجاءً لا تُناظِره، فإنه سوف يمضغك ثم يبصقك”.
شيخنا كان الله معه حين ذهب إلى الولايات المتحدة، في عُقرِ دار المُبشّر النصراني سواجارت؛ ذهب وكانتِ المناظرة، قلَبَ الطاولة عليهم.
تخيل أن رجلاً بإمكانيات قليلة، لم يتعدَّ التعليم الأساسي، فضلاً عن أن يكون من خريجي الجامعات، تحدى جهابذة النصرانية وأصبح أكبر حائط صد في مواجهة النصرانية في العالم، وفي مواجهة المبشّرين. رجلٌ واحد، الشيخ أحمد ديدات وبعون الله تعالى. ( ويمكن للقارئ الكريم العودة لمشاهدة المناظرة كاملة على موقع “يوتيوب”، والتي تعدت الثلاث ساعات! )
توفّي الشيخ ديدات بعد أن أدى رسالته وحقق غايته، تاركاً وراءه أعماله التي تبرز جهاد الرجل على ثغر من الثغور الهامة التي تحتاج الأمة، دوماً، لعلماء مثله لسدّها، ومن هذه الأعمال:
  • أسّس ‘معهد السلام لتخريج الدعاة’ و’المركز الدولي للدعوة الإسلامية’ بمدينة دوربان بجنوب أفريقيا، والذي لا يزال مركزا نشِطا في مجال الدعوة وحوار الأديان حتى بعد وفاة الشيخ.
  • ألّف ديدات عشرات الكتب، أبرزها كتاب “هل الكتاب المقدس كلام الله؟” وكتاب “مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء”، وطبعت منها ملايين النسخ ووُزّعت بالمجان في معظم الأحيان، كما كان كاتبا نشطا لا يتوقف عن الكتابة ومعالجة قضايا الساعة، وكان يطبع محاضراته ومقالاته وتوزع على شكل كتيبات بالمجان. ونظير مجهوداته النيِّرة، نال الشيخ احترام العديد عبر العالم وتكريم عدد من الدول العربية والإسلامية.

 

المُخلّفون الثلاثة..

خرَج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى غزوة “تَبوك” ولم يتخلّف عن الخروج معهم إلا المنافقون والمرضى والضعفاء. لكن ثلاثة من المؤمنين الصادقين تخلفوا عن هذه الغزوة ولم يكن لهم أيّ عُذر؛ هُم : كعبُ بن مالك ومُرارة بن ربيع وهلال بن أمية.
بعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من الغزوة إلى المدينة، أسرع المنافقون إليه وهم يختلقون الأعذار الكاذبة ليُقنعوا الرسول بها، فكان النبي يقبل أعذارهم مع علمه بخداعهم ومكرهم، وجاء الدور فى الاعتذار على كعب ومرارة وهلال فلم يكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم اعترفوا بذنبهم وتقصيرهم فى حق الله عز وجلّ.
بعدها، صدر الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بمقاطعة هؤلاء الثلاثة، فلا أحد يعاملهم أو يتحدث معهم، فكانوا يسيرون بين الناس كأنهم غرباء حتى إنهم كانوا إذا ألقوا السلام على أحد لم يُسمِعْهُم ردَّه، فعاش هؤلاء الثلاثة أيّـاماً عصيبة.
وبعد مرور أربعين ليلة من المقاطعة، بعث النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى كعب بن مالك ومرارة بن ربيع وهلال بن أمية ليأمُرهم أن يهجروا زوجاتهم، ففعلوا جميعاً، إلا أن امرأة هلال بن أمية استأذنت الرسول صلى الله عليه وسلم في أن تمكث مع زوجها لتخدُمه لأنه رجل كبير في السن، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن اشترط عليها ألا يقربَها.  ومرّ على هذه الحال عشرُ ليالٍ أخرى، لتُتمّ المقاطعة خمسين ليلة.
وفى أثناء هذه المدة، بلغ الضيق والهم من الثلاثة مَبلغه حتى ضاقت عليهم أنفسهم وأُغلِقت السبل كلها فى وجوههم وعلموا أنه لا منقذ لهم من هذا إلا الله، فتقبَّل الله سبحانه وتعالى توبتهم لصدقهم وإخلاصهم.
وفى صباح الليلة الخمسين وبعد أن صلى كعب الفجر على سطح بيته، إذا به يسمع صوتاً من بعيد: يا كعب.. يا كعب! أبشر فقد تاب الله عليك. ففرح كعب بهذه البشرى فرحاً شديداً حتى إنه خلع ثوبه الذى يرتديه وأهداه لصاحب البشرى.
ثم ذهب الناس يُبشّرون الاثنيْن الآخرين، فخرج كعب متوجهاً إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما وصله وجد الرسول يجلس وحوله أصحابه، فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وصافح كعباً وهنأه، ثم ذهب كعب ليسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فرأى وجه النبي صلى الله عليه وسلم مملوءاً بالسرور والفرح، فقال لكعب: “أبشر بخيرِ يومٍ مر عليك منذ ولدتك أمك”.
فقال كعب: أمِنْ عندك يا رسول الله أم من عند الله؟  فردّ عليه صلى الله عليه وسلم: “بل هو من عند الله”.
وقصّتُهم مخلّدةٌ بالتفصيل في سورة التوبة، كما قال الله تعالى:
(وعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) الآيتان 118 و 119.
يُـتبع..
 
Exit mobile version