الشمال والجنوب.. احتكار للمنافع وتصدير للمخاطر

أية مشروعية في جني الثروات على حساب الحضارات والأرواح؟

إن الحديث عن المنافع لا يقتصر على ما هو مادي فقط، بل يتسع المفهوم ليشمل العيش في بيئة تستجيب للمعايير الصحية وتضمن كرامة الفرد الذي يعيش داخلها، مع عدالة اجتماعية وحق في الولوج إلى الخدمات الصحية والتعليم وحق تقرير المصير والسلام والأمن وعدم التمييز والمساواة والحق في التنمية والوصول إلى التكنولوجيا المتطورة.
ولقد عرفت العلاقات بين الدول اضطرابات على مر التاريخ كانت سببا في اندلاع حربين عالميتين خلفتا دمارا هو الأسوء في تاريخ البشرية خلال القرن الماضي.

كما شهدت العلاقات بين الدول احتكارا لدول الشمال للثروة العالمية والصناعات المتطورة، ولم تصدر إلى دول الجنوب سوى المخاطر الأمنية والغذائية وغيرها، خاصة في ظل الاستعمار الذي فرضته على هذه الدول، وهو ما زاد من حدة التفاوتات بين دول الشمال المتقدمة ودول الجنوب المتخلفة عن الركب؛ الشيء الذي يفسر أن عملية توزيع المنافع ظلت مقتصرة ومحدودة لصالح فئات قليلة من الدول عبر العالم، فيما تحملت دول الجنوب القسط الأكبر من عملية توزيع المخاطر، وهو أمر يعكسه الواقع المعاصر بما فيه تهديدات بيئية وضعت الدول المفتقرة للإمكانيات المعرفية والتكنولوجيا الكافية أمام صعوبة مواجهة تداعيات كوارثها.

ويبدو جليا من خلال إصرار الدول المتقدمة المسببة بشكل كبير في صناعة المخاطر العالمية في حرمان دول الجنوب أو الدول النامية من حقها في عملية التنمية من خلال اكتساب حقها في التصنيع وتطوير ذاتها اقتصاديا ومعرفيا، مما سيضمن لها اللحاق بالركب، موفرة لمجتمعاتها دخلا عادلا يقلص من حدة الفقر والفروقات بين طبقات المجتمع.

وذريعة الغرب في هذا الاحتكار للثروة العالمية ومنافعها، أن البيئة لم تعد قادرة على استيعاب أي إضافات، خاصة فيما يتعلق بانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ما يعكس نوايا الغرب للاستمرار في احتكار التقدم والثروة، على أن تبقى الدول النامية نامية وراكدة اقتصاديا ومتخلفة صناعيا، لتضمن الدول المتقدمة أسواقا تستهلك منتجاتها الصناعية والاقتصادية.

وقد تعمق هذا النهج مع الحرب الباردة، حيث أباحت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل العسكري في الدول التي تزخر بمواد خام، مبررة ذلك بتصدير الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليعكس التوجه الأمريكي جليا النظرية الواقعية في العلاقات الدولية المبنية على المصلحة الذاتية للدول وسعيها المستمر لجني الثروة ولو على حساب حضارات إنسانية وأرواح بشرية خارج حدودها، موفرة لذاتها المشروعية والقوة والسيطرة والتأهب لكل ما قد يواجهها من مخاطر مستقبلية.

الشمال والجنوب.. احتكار المنافع وتصدير للمخاطر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *