جـلاية العـودة

تزيّنت بجلايتها الوحيدة، فرجعت بها الذاكرة لِما لمْ تنساه أبدا؛ يوم هَجَّرتهم وكل أبناءِ قريتها يدُ المغتصِب، فلم تتحمل أمّها النفساء إبعادها عن أرضها وخيمتها وأشجار زيتونها الأخضر.
خانتْها قدَمَاها وخارَتْ قُواها، فهَوَت على الأرض؛ حينها باغتها الاحتضار.. ولكي تسارع الرحيل أخذتها بين ذراعيها وجذبتها إلى صدرها، ضمتها ضمّة شديدة وسريعة، رفعتها عن صدرها بقوة الاحتضار. نظرت في عينيها بنظرات ثاقبة، وبكل فخر وحزم قالت لها: “بُنيّتي، هذه الجلاية أهدتني إياها جدتك يوم حفل زفافي، وأنا أهديك إياها ليس ليوم زفافك بل ليوم عودتك لقريتنا”.
ضمّت الطفلة ذات الثماني سنوات الجلاية إلى صدرها وهي بنت طفولة فلسطينية مُبعَدَة، جحظت عَيْنَا أمها، نادتها الطفلة بكل قواها ولكنها لا تجيب. فطنت لهما إحدى السيدات فنزعتها من حضن أمها وهي تتشبت به بيد وتحضن الجلاية باليد الأخرى وتبكي بعينيها الإثنتيْن وتصرخ صراخا اهتزت له القلوب حزنا وشفقة؛ لم تستوعب لماذا تجمدت أمها وتوقفت عن الحركة ولماذا وضعها عمها في حفرة ورمى عليها التراب وتمتم بكلمات لم تتذكر منها إلا عبارة “ولا الضّالـين“..
رُحِّلت هي وباقي النسوة والرجال والصغار خارج فلسطين.. كبرت الطفلة في المخيم، وكَبُر معها تشبّثها بجلاية أمها.