مجتمعنا في حاجة لمتنفس لكي يتخلص من فضلاته

عن قضية اختطاف واغتصاب وقتل الطفل عدنان

الطفل عدنان -رحمة الله عليه- ليس أول الضحايا ولن يكون آخرهم للأسف، فمسلسل اغتصاب الأطفال سيستمر معنا لسنين طويلة إذا لم نقف وقفة جماعية تشاركية نجرد فيها أخطاءنا الفردية ونقيم بذلك وضعنا المجتمعي أخلاقياً وإنسانيا.

ما حدث لعدنان هو تحصيل حاصل في مجتمع قيمه الأخلاقية في الحضيض، تظهر هذه الأخلاق علي حين غرة وتنطفئ شعلتها بعد انتهاء أيام العزاء المعدودة. فموجة التعاطف مع الضحية الحالية كسابقاتها، ستنتهي بلا أي نتيجة تذكر. ربما هي مجرد ردود أفعال نحاول من خلالها أن نثبت لأنفسنا ولغيرنا أن ضمائرنا لازالت حية… وأنا أولهم!

إن أدنى مستوى من التبصر والتمعن لحال مجتمعنا يقودنا  بشتى الطرق لكل أشكال وأطياف وألوان وأحجام الخراب الذي نعيشه، واللائحة عريضة مفتوحة لا أول ولا آخر لها!

هذا الخراب الذي نحن فيه نتيجة حتمية ومتوقعة لانعدام الوازع الأخلاقي والانساني الذي نكتسبه في المدرسة من خلال مقررات ذكية مبنية على الاستنتاج والنموذجية بدل الحفظ والنمطية، وفي البيت وفق تربية سوية قائمة على حس المسؤولية الفعلية والحقيقية، ومن محيطنا الصغير والكبير أيضا، وتبعا لتجاربنا التي تمتحن هذا الوازع، فإما أن تقويه أو أن تضعفه.

نحن أبناء بيئتنا، وبيئتنا الحالية بجميع طبقاتها وأبعادها أصبحت بؤرة مسمومة عن آخرها، مشحونة بالظلم والقهر والذل وقلة الحيلة وفتور العزيمة وافتراء القوي على الضعيف والضعيف على من هو أضعف منه.

إن الجاني الذي قام باختطاف الطفل وهتك عرضه ومن ثم قتله، يستحيل أن يكون شخصا سويا وطبيعيا، يستحيل أن يكون قد تلقى في طفولته نشأة صالحة وترعرع ترعرعا آدميا. من المستحيل أن يكون كذلك، لعله تعرض هو الآخر لتجربة اغتصاب مشابهة، أو تعرض للإهمال والتهميش و”الحݣرة” حتى صار وحشا عدوانيا وآلة مفرغة بلا إحساس.

إني لا أجد لفعلته تبريرا فهي شنيعة ومحرمة باسم كل الأديان والأعراف، بل أحاول أن أجد تفسيرا؛ عدنان ضحية والجاني ضحية هو الآخر… كلنا ضحايا وكلنا جناة!

كل فرد منا يتحمل مسؤولية ما وقع، كل فرد فينا يجرم بحق نفسه وحق الآخرين؛ تارة بصَمته وتخاذله، وتارة بجبنه واستهتاره، وتارة بتنمره على الآخرين وتارة أخرى بعدميته… وكلها أمور متشابكة فيما بينها يصعُب فصلها.

وأعتقد أن أول خطوة علينا اتخاذها وحسم أمرنا بخصوصها هي الإنجاب، علينا أن نتوقف عن إضافة أرواح أخرى إلى عداد الموتى المستقبليين، علينا أن نقاوم بصرامة رغبتنا الأنانية في أن نكون آباء وأمهات؛ فالأرضية غير صالحة لزرع حبة عدس، ناهيك عن زرع إنسان!

على المجتمع أن يتخلص تدريجيا من مشاريع ذريات طالحات، وتجارب زواج فاشل بلا مودة وبلا رحمة. قد يحتاج الأمر إلى أعوام كثيرة، ولكن تطلعاتنا لمجتمع افضل وأجيال أحسن تستحق منا المحاولة، علينا أن نخلق للمجتمع متنفسا حتى يتخلص من فضلاته!

علينا أن نستوعب أن الإنجاب ليس قرارا شخصيا محضا، وإنما هو قرار شخصي ذو تباعات جماعية قد تؤدي  بمصير أمة برُمتها إلى الهلاك.

ولعلي أسند اقتراحي هذا على” نظرية السكان” للباحث الاقتصادي والسياسي توماس روبرت مالتوس ( 1834-1766)، والذي ربط بين التكاثر السكاني وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأكد على ضرورة تحقيق التوازن من خلال تحديد النسل وتأخير سن الزواج. ونظريته هاته ليست الأولى من نوعها ،فقد تطرق ابن خلدون (القرن 14) للصلة الوطيدة بين عدد السكان ومستوى الحضارة..

فإذا لم تكن على قدر عال من المسؤولية والتضحية لتكفل لأبناءك عيشة كريمة، ورعاية شاملة واحتضاناً لا مشروطا، فلا تنجبهم!

اذا لم تكن على قدر وفير من التجارب التي قد صقلتك ومنحتك شخصية قادرة على التأثير والمرونة والحكامة لتمرير هذه المكتسابات لأبناءك  بأنجع طريقة ممكنة، فلا تنجبهم!

نحن في غنى عن أي جيل يضاف الى سجل هذا الكون، نحن في غنى عن جيل نُورث له أزمتنا المادية وانتكاستنا الأخلاقية وخيبتنا الثقافية.

أما فيما يخص مسؤولية البقية، فمؤسسات الدولة مغيبة فعليا، ومجتمعنا المدني المشتت استراتيجيا وإعلامنا المقزم بسلطته السطحية مطالبون بالتوقف عن التساهل المخزي والتطبيع العلني مع هذه الجرائم وشاكلاتها، من تجارة للمخدرات وسرقة وتحرش واغتصاب. فالأحكام العادية والمستفزة أحيانا عدة والتغطية السطحية لقضايا الرأي العام تتواطؤ وتتآمر مع الجناة، وتحفز كل وحش فينا على أن يستيقظ ويُقدِم على ما هو أبشع!

نحن لا نريد أمنا وأمانا في الصحف والتقارير الإعلامية بقدر ما نحتاجه واقعا ملموسا في شوارعنا نتغنى به.

كل ما أتمناه هو أن تأخذ العدالة مجراها، ذلك المجرى المغاير تماما لنظرة المغاربة على وضع القضاء المغربي، أتمنى أن لا تمر فاجعة عدنان بسلام، وأن تأخذ نهايتها القاسية على ذويه وأقاربه مسارا آخر يخدم المصلحة العامة، فيعاد النظر في الأحكام والقوانين الجنائية وينتقل إعلامنا من نهج التغطية ونقل الأخبار إلى الضغط ثم الضغط ثم الضغط… آمل أن ينتبه آباؤنا وأمهاتنا لأبنائنا أكثر وأن يعيدوا ترتيب أولوياتهم في الحياة، أتمنى أن تصاغ برامجنا ومخططاتنا الإصلاحية بشكل أنفع… وأن تتريث فتياتنا الجميلات قليلا قبل أن ترددن قائلات: نعم أنا موافقة، وأن يضع شبابنا الرائع ألف حساب قبل أن يصوغ سؤاله: هل تقبلين الزواج بي؟

لنضحي جميعا، لنفكر جماعة… لنحاول ولو لمرة أن نصوغ قرارت تتعدى أسسها تفكيرنا الضيق اللحظي، فذلك سيحدث فرقا، وسيكون لبنة أساسية من أجل نشأة جيل يحظى بحياة ذات معنى أبلغ مما نعيشه اليوم!

مجتمعنا في حاجة لمتنفس لكي يتخلص من فضلاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *