أبطال من بلاد الشام والتُرك وأوزبكستان #23

الشهيد نورالدين زنكي .. “سادسُ الراشدين” 
 
هو ريحانة بلاد الشام وأستاذ صلاح الدين الأيوبي، سمّاه بعض المؤرخين “سادس الخلفاء الراشدين” لعَدله ودينه وحسن سياسته، هذا الرجل الذي لا يعرفه كثير منّا هو الصانع الحقيقي لنصر “حطين”؛ إننا نتحدث عن نورٍ أضاء اللّه به الدين في أشد أوقات الأمة عتمة وسوادًا، إننا نتحدث عن نور الدين محمود ابن عماد الدين زنكي المشهور باسم “نور الدين الشهيد”. 
و يكفيك أن تعلم أن نور الدين الشهيد ظهر في زمانٍ استولى فيه الشيعة الرافضة على معظم بلاد الإسلام، فلقد استولى البويهيون الشيعة على “دولة الخلافة” في بغداد، واستولى العبيديون الشيعة على مصر والمغرب الإسلامي. ففتح الشيعة بذلك المجال للصليبيين لكيً يستولوا على القدس. 
وكعادة عظماء أمة الإسلام، فإن هذه الأوقات هي الأوقات التي يخرجون فيها للنور؛ وفعلًا، خرج للنور نور الدين فأنار الدروب ووَحّد الصفوف وجمع الشمل، وما هي إلا سنوات قليلة، حتى كانت دولته تمتد من بلاد فارس في الشرق إلى حدود ليبيا في الغرب، ومن هضبة الأناضول في الشمال إلى جبال اليمن في الجنوب، فأصبحت مسألة النصر على الصليبيين مسألة وقتٍ ليس أكثر، بل إن محمود نور الدين لم يرَ نصر حطين بعينيه، على الرغم من أنه كان مؤمنًا بالنصر لدرجةٍ دعته لبناء منبر لكي يوضَع في المسجد الأقصى بعد تحريره، ولكنه مات قبل ذلك فلم يُقدَّر له أن يحضِره بنفسه إلى القدس، فأحضره تلميذه صلاح الدين الذي أكمل طريقه في مقارعة الصليبيين. والمنبر المعروف باسم “منبر صلاح الدين” هو في الأصل ذلك المنبر الذي بناه نور الدين الشهيد رحمه اللّه. 
أسد الإسلام الباسل 
 
يقول المؤرخ الحافظ بن كثير في مؤلفه “البداية والنهاية”: “عندما تواجه الجيشان في “ملاذكرد”، نزل السلطان ألب أرسلان عن فرسه، وسجد لله عزوجل، ومرّغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره”. 
محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق، أحد أهم قادة المسلمين وكبار رجال التاريخ، وصاحب الانتصار الخالد على الروم في معركة ملاذكرد. عُرف بإسم ألب أرسلان ومعناها بالتركية الأسد الباسل. كان رابع حُكام الأتراك السلاجقة، لُقب بسلطان العالم أو بالسلطان الكبير أو الملك العادل. بلغت حدود حكمه من أقاصي بلاد ما وراء النهر إلى أقاصي بلاد الشام. 
وفي معركة ملاذكرد قال له أحد الجنود وهو يتصبب عرقا بعد اقتراب جحافل الروم من قلب جيش المسلمين: أيها السلطان، جيش العدو يقترب منا.. فنظر إليه أسد الإسلام ألب أرسلان وقال له ، وهو يبتسم تبسم الواثق: “بل نحن الذين اقتربنا منهم”. 
لقد كانت خطة “تكتيك الكمّاشة” خطته، ليكون ثالث شخص في العالم في تاريخ البشرية يستخدم الخطة المزدوجة، وقد أشرنا إليها سابقا عند حديثنا عن سيف الله المسلول خالد بن الوليد. 
وزير الإسلام نظام الملك الطوسي 
 
نظام الملك كان اليد اليمنى للقائد ألب أرسلان وصاحب الرأي والمشورة الأول في دولة السلاجقة. 
قال عنه الذهبي: “الوزير الكبير، نظام الملك، قوام الدين، أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، عاقل، سائس، خبير، سعيد مُتديِّن، محتشم، عامر المجلس بالقراء والفقهاء، أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد، وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس، ورغَّب في العلم، وأدَرَّ على الطلبة الصلات، وأملى الحديث، وبعد صيته، تنقلت به الأحوال إلى أن وزر للسلطان ألب أرسلان، ثم لابنه ملكشاه، فدبَّر ممالكه على أتم ما ينبغي، وخفف المظالم، ورفق بالرعايا، وبنى الوقوف، وهاجرت الكبار إلى جانبه، وأشار إلى ملكشاه بتعيين القواد والأمراء الذين فيهم خُلقٌ ودِينٌ وشجاعة، وظهرت آثار تلك السياسة فيما بعد، ومن هؤلاء القواد الذين وقع عليهم الاختيار آق سنقر جد نور الدين محمود الذي ولي على حلب وديار بكر والجزيرة”. 
قال عنه ابن كثير: “من أحسن الملوك سيرة، وأجودهم سريرة، وقام ولده عماد الدين زنكي ببداية الجهاد ضد الصليبيين، ثم قام من بعده نور الدين محمود، هذه الأسرة هي التي وضعت الأساس لانتصارات صلاح الدين والظاهر بيبرس وقلاوون ضد الصليبيين، وافتتحت عهد التوحيد والوحدة في العالم الإسلامي، وكذلك كان آق سنقر البرسقي من قواد السلطان محمود السلجوقي، وكان أميراً للموصل، واشتغل بجهاد الصليبيين، وفي سنة 520هـ قتله الباطنيون وهو يصلي في الجامع الكبير في الموصل”. 
وقال عنه ابن الأثير: “وكان مملوكاً تركياً خيراً، يحب أهل العلم والصالحين، ويرى العدل ويفعله، وكان خير الولاء، يحافظ على الصلوات في أوقاتها، ويصلي من الليل متهجداً” ويحدثنا المؤرخ أبو شامة عن آثار السلاجقة لا سيما في زمن نظام الملك: “فلما ملك السلجوقية جددوا من هيبة الخلافة ما كان قد درس لا سيما في وزارة نظام الملك، فإنه أعاد الناموس والهيبة إلى أحسن حالاتها”. 
وقد ألف نظام الملك الطوسي كتابا من أعظم الكتب في تاريخ علم السياسة على ممر التاريخ الإنساني و قذ سمي هذا الكتاب “سير الملوك”. 
البخاري، الهدف القادم لغزاة التاريخ 
 
يُعتبر الإمام البخاري من أبرز علماء الحديث في التاريخ الإسلامي، فيما يصنف كتابه صحيح البخاري الذي جمع فيه الأحاديث النبوية واحداً من أعظم مصادر الأثر النبوي في التاريخ. وهو أهم عالم ظهر في تاريخ بلاد فارس على الإطلاق. 
نشأ يتيماً وطلب العلم منذ صغره ورحل في أرجاء العالم الإسلامي رحلة طويلة للقاء العلماء وطلب الحديث وسمع من قرابة ألف شيخ، وجمع حوالي ستمائة ألف حديث. اشتهر شهرة واسعة وأقرَّ له أقرانه وشيوخه ومن جاء بعده من العلماء بالتقدّم والإمامة في الحديث وعلومه،حتّى لُقِّب بأمير المؤمنين في الحديث، وتتلمذ عليه كثير من كبار أئمة الحديث كمسلم بن الحجاج وابن خزيمة والترمذي وغيرهم، وهو أول من وضع في الإسلام كتاباً مجرّداً للحديث الصحيح. 
خلال السنوات الأخيرة التي مضت، تعرّض الإمام البخاري لحملات تشويه ممنهجة، لا تخفى دوافعها المشبوهة، بهدف الانتقاص من سمعته العلمية ذائعة الصيت، ومكانته التاريخية التي وصلت لحد جعل بعضهم يؤلفون كتُبا كاملة أو إنتاج فيديوهات؛ تقوم بالنبش في حياة البخاري وصحيحه.. 
 
ولعل الشاعر الكبير المتنبي قد أجابهم بالقول : 
 
وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ 
 
فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ 
 
يُتبع ..