أحلام “هواوي”.. بين واشنطن وبيجين

تعتبر شركة “هواوي”، وهي الغنيّة عن التعريف، ثالث أكبر شركة هواتف محمولة في العالم، وتحتل المركز الثاني في قيمة المبيعات لسنة 2018، خلف شركة “سامسونج” الرائدة في هذا المجال. وتعتبر أيضاً شركة “هواوي” طفرة ومثالاً حيّاً على قوة الإرادة الصينية في السيطرة والمنافسة على الأسواق العالمية، وفرض نفسها كرقم صعب في الساحة العالمية، التي تزخر بمنافسين ذوي خبرات وإمكانيات علمية وتقنية وكذا مالية تجعل من منافستهم أمراً صعباً في حد ذاته.  إنجازٌ يُحسَب لشركة فتية لم تتجاوز العقد، بل أنها تجاوزت كبار المصَنّعين واحتلّت المركز الثاني على سلم المعات، بعدما أزاحت العملاق الأمريكي “آبل” عن المنافسة الثنائية بينه وبين “سامسونج”.
يبدو جليّاً أن الصراع الاقتصادي الأمريكي-الصيني بدأ يأخذ منحى مغايراً تماما لما كان عليه الأمر خلال العقدين الأخيريْن، بعدما غزَتْ المنتوجات الصينية السوق العالمية والأمريكية، كمنتوجات ذات جودة منخفضة، قبل أن تضرب الصين ضربتها بتغييرٍ جذري في سياسة الجودة؛ أصبحت بها تُنافس كبريات الشركات العالمية، ما مَكَّنها من بسط سيطرتها على الأسواق العالمية نظرا لشبكة عملائها الكبيرة وانتشارها وتغلغلها داخل الأسواق الدولية، الذي تظهر تجلياته واضحة في عجز الميزان التجاري الأمريكي أمام نظيره الصيني؛ حيث يدل الفرق بين الصادرات والواردات من وإلى أمريكا من طرف الصين، على تفوّق التّنين الآسيوي الواضح؛ الذي دفع بالإدارة الأمريكية الحالية إلى السعي نحو وقف الزحف الاقتصادي الصيني والشروع في حرب معلنة على منتجاته، من خلال فرض الرسوم عليها والحد من حريتها داخل الأراضي الأمريكية.
أما على المستوى التقني، فقد برزت على السطح عدة تقارير تفيد أن الصين كانت دائما متخوفة من الضربة الأمريكية، وخصوصا على مستوى نظام “أندرويد”، حيث يعتبر هو العَصَبُ الرئيس لكافة المنتجات المتعلقة بشركات الهواتف النقالة التي أضحت ساحة حرب تنافسية خصوصا بين الصين وأمريكا. لقد كانت التقارير الواردة تفيد من تخوفات صينية، خصوصا من طرف شركة “هواوي” التي استشعرت الخطر مبكرا، الأمر الذي دفع بها إلى الشروع في تطوير نظام تشغيل خاص يسمح لها بعدم الاعتماد على شركة جوجل الأمريكية، المزوّد الأوحد لنظام أندرويد عبر العالم.
خلال الأسبوع المنصرم، حدث ما كانت تخشاه هواوي على إثر تصاعد النبرة الحادة بين الدولتيْن في الأيام الأخيرة؛ من خلال توقيع الرئيس ترامب حظراً على الشركات الأمريكية أن تبيع المواد المتعلقة بالمجالات التقنية إلا تحت موافقة الحكومة الأمريكية، ليأتي بعدها ما كان يُخشى، ألا وهو قيام وزارة التجارة الأمريكية بإدراج شركة هواوي على القائمة السوداء، ما يمنع شركة غوغل من التعامل مع الشركة الصينية حسب ما نقلته وكالة رويترز؛ كما لو أنها ضربة استباقية أمريكية لاقتصاد الصين عامة وبصورة خاصة لشركة هواوي التي أُخِذت على حين غرّة.
تسبّب القرار الأمريكي في وقف التحديثات على هواتف هواوي من قبيل التحديثات الأمنية، وأيضا بعض البرامج المستهدفة على سبيل الذكر متجر غوغل (play store) وكذا (google play و google maps و youtube و Gmail ) وأيضا وقف التزويد للهواتف القادمة من هواوي مستقبلا ببرامج غوغل إلا بعض البرامج تندرج تحت بند الخدمة المفتوحة (AOSP)، رغم أن بعض الاطراف رجّحت أنه يمكن للمستخدمين الحاليين تنزيل التحديثات رغم الحظر.
هذا القرار من أكثر القرارات التي من شأنها خلق مشكل على الساحة العالمية والدفع بعدة أطراف إلى إعادة النظر في التعامل مع الشركات الأمريكية كمزوّدي خدمات، ما قد يفتح باب المنافسة والذي يؤذن بسقوط الإمبراطورية الأمريكية التي بدأت تترنح على ظل القرارات الهاوية من المسؤولين، ضاربين عرض الحائط التغييرات الجيوسياسية والجيواستراتيجية والاقتصادية الطارئة بتسارُع رهيب على صعيد العالم.

سهيل المعطاوي

من أعضاء زوايا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *