خديجة وعائشة ومريم .. عُظماءٌ بصيغة المؤنث #16

رمز الزوجة الصالحة .. خديجة بنت خويلد

لقد ذكرْنا في تدوينتنا السابقة، العظيمة فاطمة بنت محمد، والتي لم تأتِ بهذه العظمة من فراغ، بل من أبيها سيد الخلق ومن أمها، أعظم زوجة عرفتها الإنسانية عبر جميع العصور، هي رمز الزوجة الصالحة في صبرها وحبّها ومساندتها لزوجها؛ إنها العظيمة خديجة بنت خويلد، أول من آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
إنسانةٌ أحبّت الرسول وسهِرَت على راحته، كانت تصعد جبال مكة الشاهقة لتضع الطعام والشراب له في غار حِراء، ثم تتركه هانئاً بخلوته، لقد واسته بصحتها ومالها وروحها.
لقد صدَّقته يوم كذَّبه الناس، ووَاسَتْه يوم هجروه، لقد عانت الجوع والعطش بعد حصار الكفار للمسلمين، لقد عوّضته عن سنين الحرمان واليُتم التي عاشها طفلاً صغيراً.
لقد كانت إنسانة رقيقة ما سمع لها رسول الله صوتا طيلة ربع قرن من الحياة الزوجية الهانئة.
الكتابة عن عظيمات الإسلام أصعبُ من الكتابة عن عظمائه” على حد قول الكاتب، وعلى حد قوله أيضا “وراء كل أمة عظيمة إمرأة“، هذه هي المقولة الأصح.
أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، نزل  جبريل سيد الملائكة ليلقي سلام ربها إليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا خديجة هذا جبريل، هذا جبريل يقرِئُك السلام من ربك“.
 

أمّ المؤمنين، أمّي وأمك..

لم يتحدث الكاتب جهاد الترباني كثيرًا عن فضل هذه الإنسانة العظيمة في أمة الإسلام، فقال أنه يكفيه أن يذكر حديثًا أخرجه الإمام البخاري في موضعيْن من صحيحه للصحابي الجليل عمرو بن العاص أنه أقبل يوماً على النبي وجلس إليه، ثم قالَ: يا رسول اللّه، أيّ الناس أحب إليك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: عائشة . فقال عمرو: ومن الرجال يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أبوها!  ففَضْل السيدة عائشة لا يختلف عليه مُسْلِمَان أبدًا، فهي زوج رسول الله التي اختارها العلّي له، وهي من بين الخمسة الأوائل من رُواة السنة النبوية التي تعتبَر المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد كتاب الله، فإذا قبِلْنا الطّعن بعائشة، فيجب علينا إذا أن نقبل الطعن بزوجها من بابٍ أولى! ويجب علينا أن نردّ 2210 حديثا روتهم تلك الصحابية العالمة عنه! فأيُّ دين سيتبقّى لنا بعد ذلك؟! وأي إسلام نتحدث عنه حينها؟ وأي أمة هذه التي تنتمي إليها؟!
لذلك كان مَعْرِض كلام الكاتب عن عائشة أم المؤمنين مُنصَبّاً بالأساس على الدفاع عنها وذلك لأربعة أسباب يحسبها، الترباني، جدَّ مهمة:
أولها: الدفاع عن الله عز وجل الذي اختار عائشة زوجا لنبيه من فوق سبع سماوات والذي طهرها في كتابه؛
وثانيهـا: الدفاع عن شرف زوجها وعِرضه؛
وثالثها: الدفاع عن جيل الصحابة بكامله الذي يتمثل بشخص عائشة؛
أما رابعها: الدفاع عن تاريخ هذه الأمة نفسه والذي يتعرض لحملة بشعة من غُزاة التاريخ ومُشوّهيه.

مريمُ البَـتول

مريم ابنة عمران هي الإنسانة التي لم يخلُق الله إنسانة مثلها من حوّاء إلى قيام الساعة ! نتحدث، هنا، عن العذراء البتول، وعن الطاهرة المطَهَّرة، عن التقية النقية، وعن العابدة القانتة، نحن بصدد الحديث عن الإنسانة التي كرّمها الإسلام فجعلها المرأة الوحيدة التي توجد سورة كاملة باسمها، والتي ورد اسمها في القراَن بأكثر من ثمانية أضعاف ما ورد فيه اسم نبي الإسلام نفسه!
صناعة البطلة مريم بدأت مع عصفورة صغيرة على شجرة من أشجار أرض فلسطين المباركة، هناك على غصون تلك الزيتونة كانت تلك العصفورة تطعِم فرخًا صغيرًا لها، فصادف ذلك وجود سيدة كريمة من بني إسرائيل اسمها “حِنة بنت فاقود”، كانت زوجة لعالمٍ جليل من بني إسرائيل اسمه “عِمران”؛ وهو رجلٌ من ذرية داود وسليمان عليهما السلام.
المهم أن حِنة هذه لم يكن لها ولد فلمّا رأت تلك العصفورة تطعم فرخها الصغير اشتهت الولد، واستيقظت في داخلها عاطفة الأمومة، فدعت الله أن يرزقها بالولد فاستجاب الله لدعائها، فلمّا أحست بالجنين يتحرك في داخلها أرادت أن تشكر الله عز وجل، فنذرَت ما في بطنها لخدمة بيت المقدس، فلما جاء المولود أنثى قررت تسمِيَتها “مريم” (يعني “العابدة” باللغة العِبرية)، ولكن أمها احْتارَت في أمر مريم؛ فلقد كان الذكور فقط هم من يُسمح لهم بالخدمة في القدس، ولكنها على الرغم من ذلك ذهَبَت بها إلى هناك لكي تصنع منها عظيمة من عظيمات التاريخ.
هنا يأتي دور الأسرة الأساسُ المحوري في صناعة العظماء. فما إنْ وَصَلت للقدس حتى تدَافَع علماء بني إسرائيل نحو تلك الرضيعة كلهم يريد أن ينال شرف تربية ابنة عالمهم الشهير عِمران، فاختلفوا فيما بينهم أيُّهُم يكفُلها، حتى اهتدوْا على أن يقترعوا فيما بينهم بقرعةٍ عجيبة، وذلك بأن يرمي كل عالم منهم بقلمه في نهر الأردن، فيكون صاحب القلم الذي يسبح عكس التيار هو صاحب شرف تربية مريم. جَرَف النهر كل الأقلام إلّا قلمًا واحدًا وجَدُوه يجري عكس التيار، فلما أحضروا ذلك القلم وجدوه قلمَ رجلٍ صالحٍ يعني اسمُه بالعبرية مذكور الله، ألاَ وهو نبي اللّه “زكرياء”!
تربّت مريم على يد زكرياءَ خيرَ تربية، ونشأت الطاهرة كوردة بيضاء في بستان طاهر، حتى أصبحت تلك العذراء العظيمة التي يعتبرها المسلمون من سيدات أهل الجنة، بينما يعتبرها اليهود “امرأة زانية زنَت” مع رجل اسمه يوسف النجار لتَحْمِل بعيسى الذي لا يعترفون بنبوته.
ونتيجة هذه التربية الصالحة، أصبحت السيدة مريم العذراء مثالًا للعفّة والطهارة لكل نساء العالمين، ليختارها اللّه بعد ذلك لكي تحمل كلمته التي ألقاها عليها جبريل، ولتكون بذلك صاحبة أطهرِ بطن، وأصفى حَمْلٍ، وأسعدِ ميلاد.
 
يُتبع..