ماذا لو عاقبته بموتي

محاكَمة تحت التراب

في الليلة الأولى سيشعر بأن تلك الليلة لن تمر.. ثم ليعود ويفكر أنه قَدَر، وأنه سينسى وأن الوضع لن يستمر..
سيتقلب في فراشه.. سيجافيه النوم حتما.. سيفكر في أن الحياة تستهدفه على وجه الخصوص..
سيتساءل: لماذا أنا بالذات؟ لماذا يحدث معي كل هذا؟ أي ضريبة باهظة عليّ أن أدفع بعد؟
لكنه سيعود ويفكر بأنه ليس المذنب في كل ما حصل..
سيعود ويفكر أنني من كنت معه قليلة صبر!

لكن هذه الليلة حالكة السواد على غير العادة، والهدوء المريب يشعره بالذنب الكبير مجددا..
سيتحسس غطاءه.. يسحبه إليه.. يتدثر به.. لكن شرشف الساتان الذي أحب سيذكره بالقبر الذي بتُّ أسكن فيه، وبالكفن الذي بتُّ ألتحفه..

قلب يئن.. وعقل يصارع.. ودمع كألسنة اللهب..
سيُخيّل إليه أن الكل سعيد عداه.. سيعود ليتساءل: لماذا أنا؟ لم أفعل شيئا يستحق! أتراها غادرت لأني لم أفعل شيئا يستحق؟
سيشعر بأن الطعام غير مستساغ.. والماء مُر أو ربما مالح، وأن العالم ضيق يطبق على أنفاسه.. وغصة هناك في حلقه تحبس ريقه..
سيشعر أن لا أحد يفهمه.. أو يقف إلى جانبه.. وبأن غرفته سجن ضيق.. وأن عيون زملاء العمل تتهمه طولا وعرضا فيما حصل..

لا لم أفعل شيئا، إني بريء.. سيحاول أن يبرر لكن حنجرته ستخونه.. وحواسه ستنتفض ضده..
سيحاول أن يهرب في البداية من الناس.. ستقتله وحدته وتقض مضجعه.. فيحاول مجددا الهرب إلى الناس.. فتقتله وساوسه..
سيهرب إلى النوم معلنا استسلامه.. سيدخن بشراهة أكبر.. سيتعاطى المهدئ تلو الآخر..
ثم سيفكر بالانتفاض على ما يحدث معه.. فهو مازال يدّعي أنه لم يفعل شيئا!
سيهرع إلى هاتفه.. يبحث عن صوري للتخلص منها..
“كم كانت جميلة! كم كانت جميلة وتحبني!! ”

الآن فقط سيراني كما كنتُ أشتهي.. سيقلب في صورنا معا.. صورة تلو الأخرى.. وحدها ذكرياتنا معا ستخدر ألمه.. وشوشاتي وضحكاتي.. خجلي وهدوئي الذي أحبه كل العالم عداه.. سيشتاقه.. وسيتساءل لماذا لم يكن يستسيغه..
فيعترف في نفسه أنه كان السبب..

ماذا لو عاقبته بموتي

سلمى بن دعاس

استاذة لغة فرنسية. مهتمة بالادب.. بالترجمة و الكتابة الفلسفية كتبت رواية تحمل عنوان (عندما نشتهي..نشتري).

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *