عندما يصبح علمك خطرا عليك

كيف نقرأ دون أن نتأثر اعتباطا بكل ما نقرأ؟

كنت أتقاعس في كل مرة عن كتابة هاته الأسطر، لكنني اليوم عزمت على وضع النقاط على الحروف حتى أتمكن من التموقع وسط ضجيح العلم والمطالعة أو القراءة بصفة عامة..

فعندما تكون شابا عشرينيا شغوفا بالحياة، شغوفا بالقراءة، بالفلسفة، بالأدب، وبالاطلاع على أفكار بعض المثقفين العرب والأجانب، عندما تكون عشرينيا وتهتم بكل هذه الأشياء فقد يصبح علمك عليك خطرا!

كيف ذلك إذن!؟

ذلك بأنك -كشاب أو كشابة- تبحث عن الحقيقة، تبحث عن ماهية الأشياء، تبحث عن ذاتك وسط الآخرين (من دون أن تشعر حتى)، تبحث عن تحديد موقفك من الكثير من القضايا المجتمعية والدينية والعرقية.. يصبح علمك عليك خطرا، عندما تصطدم بأفكار كاتب أو مفكر آخر يفكر بجهر ويعبر عن ماهيته هو ويحاول اقناعك وسط أوراقه المتراصة بأشياء ربما قد تتضارب مع أفكارك أنت ومعتقداتك و بيئتك ودينك ومراجعك، فتتبعثر أوراقك وتصبح حبيسا لها لا حرا. عندما تحاول ارضاء المجتمع ونفسك في الوقت نفسه ولا تنحازللكاتب وما تقرأ والقضية.

لا أعلم حقا ما هي الأسلحة التي يجدر بي أن أحملها معي وأنا أدخل مكتبة، هل هي إيماني ويقيني والخطوط الحمراء؟ لكن ما هي الخطوط الحمراء؟ هل يجب أن أضع قيودا وأنا أقرأ أيضا؟ فأبتعد عن ما خطته أنامل ذاك المفكر العلماني وما كتبه الماركسي ويجب أن أخاف من كتب ذلك السلفي وأحذر محاضرات اليميني المتطرف؟

حسنا كيف أحمي نفسي وأحدد من أنا وسط كل هذه الفوضى التي يحدثها غبار الكتب الذي قد يجعل مني شخصا آخر مختلفا متنكرا لكل ما كان عليه في السابق؟

كيف أحافظ على دواخلي سليمة آمنة وآخذ من كتبي ما يصلح لنفسي ولوضعي ولشخصيتي واترك الباقي؟

غالبا الكل يكتب والكل يعبر عن رأيه في قضية عاشها أو يعيشها أو سيعيشها وكل منا يحكي تراكمات نفسية يرفضها أو يؤيدها وكل منا هو نتاج واقع يخصه، فلماذا إذن سأسقط كل أفكاره وأتبناها كما هي ثم أقرأ لآخر وأتبعه فيما يفتي وهكذا إلى أن ينتهي بي الأمر وسط غابة الدخول إليها سهل والخروج منها مستحيل؟

رحلة الشك جميلة، وطرح الأسئلة الوجودية أمر صحي.. لكن لو وجدت ثوابت ووجد إيمان قوي قبل كل هذا سيصبح الأمر رائعا..

عندما تقرئين لنوال السعداوي مثلا وتتأملين أسطرها التي تقدح الرجال التي التقت بهم في حياتها فليس بالضرورة أن يكون التعميم حلا فتقدحين الرجال بدورك فقط لأنك تأثرت بأسلوبها! (وهذا على سبيل المثال لا الحصر)..

اقتربت الآن من تحديد موقفي.. نعم اقرؤوا للجميع.. للملحد والمؤمن والعلماني واليساري واليميني ولا تحذروا أحدا، لكن اقرؤوا وأنتم بأتم العلم عن ماهيتكم ومعتقداتكم وثوابتكم حتى لا تعبث بكم رياح العقل فتجدوا أنفسكم بصحراء قاحلة، بمعزل عن الحقيقة، أعداء للجميع.. وحتى لا يصبح علمكم خطرا عليكم..

عندما يصبح علمك خطرا عليك

سارة صالح

مدونة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *