عكرمة.. قائدٌ في الميدان، الصحابي أبو سفيان والأسقُف المِقدام

  عِكرمة.. تضحية في الميدان 
قصة بطلنا عكرمة بن أبي جهل، هي قصة التغيير البناء والنجاح في مرحلة الاختبار الرباني. 
عكرمة بن أبي جهل، وكان من أشد أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، ورغم قصة أبيه المعادية لدين الإسلام؛ إلّا أنه اختار طريقه بغض النظر عن تاريخ أبيه أو تاريخه هو بالذات. 
وحكاية هذا العظيم تبدأ من على متن سفينة في منتصف بحر هائج عندما قرر عكرمة بن أبي جهل أن يهرب من مكة هائما على وجه لا يعرف إلى أين يتجه، وعلى ظهر السفينة وبينما عكرمة يتأمل البحر اللاّمتناهي، تعالت الأمواج وأدرك الربان أنهم غارقون لا محالة، ودعاهم الى أن يدعوا الله و يتركوا أصنامهم. فقذف الله الإيمان في قلب بطلنا وقال لنفسه: إذا كان الذي ينجيني في البحر هو الله وحده، فلا بد إذا أنه هو وحده الذي ينجيني في البر، ثم نظر إلى السماء. وقال “اللهم إن لك على عهدا إنْ عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده. 
وأبى الله إلا أن يعيد ذلك الهارب من الله إلى الله. وقد رحّب الرسول صلى الله عليه وسلم به، وهو الذي استبشر بقدومه حين قال: “سيأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا”. 
ومنذ ذلك الحين، لم يترك عكرمة بن أبي جهل معركة مع الرسول إلا وشارك فيها، ولعل المعركة التي خلّدت اسمه في حروف من نور هي “معركة وادي اليرموك”، عندما أوشك نصف مليون من الروم على تدمير جيش المسلمين بعدما قاموا بمحاصرتهم من كل جانب، فتناول هذا البطل سيفه وكسر غمده ونادى المسلمين : أيها المسلمون من يبايع على الموت؟ فتقدم اليه 400 فدائي، فكونوا ما عرف في التاريخ باسم “كتيبة الموت الإسلامية”. وبالفعل تقدم عكرمة الي قلب الجيش الروماني ليكسر الحصار عن جيش المسلمين، و استطاع إحداث ثغرة في جيش العدو، خاصة وأن ال400 فدائي اندفعوا وراءه في منظر بطولي دفاعا عن قائدهم. 
لقد كسرت هذه الوحدة الحصار عن جيش المسلمين، مستجيبة لبطل مثالي في التحفيز والتضحية. 
  أبوسفيان.. صحابيٌ جليل هدى الله قلبه للإسلام 
أبوسفيان بن حرب رضي الله عنه وأرضاه، صحابي جليل، كان شديد العداء لرسول الله قبل الإسلام، لقد حارب الإسلام لما يزيد عن عشرين عاما، وأسلم بعدها للحقيقة، أسلم وجهه لله تعالى، بعد أن كان أول أعداء الإسلام. ولعل إسلامه في حد ذاته إنجازٌ يضعه على لائحة العظماء. 
بعد إسلامه.. جاهد في سبيل الله حق جهاده، وقدم في سبيل هذا الدين أغلى ما قد يملك الواحد فينا، “عينيه”. 
لقد قدم عينه الأولى مع رسول الله في معركة “الطائف”، وعينه الثانية في معركة “اليرموك”. 
في هذه المعركة بالظبط، كانت مهمته رفع معنويات الصحابة وتحفيزهم، وقد كان أهلا لهذه المهمة. لقد زرع الشيخ ابو سفيان الحماس في شباب المسلمين، وقد أصبح أعمى البصر بشكل كلي. 
انتصر المسلمون في معركة اليرموك الخالدة، وبذلك أصبحت الشام داراً للإسلام وتحققت بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم. 
وبكى أبوسفيان بن حرب فرحاً بالنصر، حتى اختلطت دموع عينيه بدمائها كي تروي أرض “اليرموك”. 
  الأسقف صغاطر 
ونختم بطولتنا اليوم برجل لم يولد مثلنا مسلمًا، ولم يصل الله ركعة، بل إن تاريخه لم يتجاوز أكثر من لحظات معدودة في عمر الزمن، ومع ذلك سطر اسمه في سجل العظماء. 
إنه الأسقف صغاطر، الذي قدم روحه لله عز وجل، وإليكم خلاصة القصة : 
بعد صلح الحديبية، نَهج رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة التبليغ بلا قتال وبلا معارك، فأرسل رسله إلى أنحاء الأرض وكانت إحدى الرسائل المبعوثة رسالة أعظم إمبراطور علي وجه الأرض في ذلك الوقت.. هرقل، هرقل الذي قرأ رسالة الرسول وتأملها واستجوب أبي سفيان بن حرب عن تفاصيلها أمام قومه من أمراء ووزراء وعلماء الروم. 
وهناك قصص تروي أن هرقل قد توصّل إلى صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه خاف من الروم على نفسه، فدعا أبي سفيان بن حرب إلى أن يذهب إلى الأسقف صغاطر فهو أجور قولا عند الروم منه. 
الأسقف صغاطر خرج إلى الروم وهُم في الكنيسة، فقال بصوت عال: يا معشر الروم! إنه قد جاءنا كتابٌ من أحمد، يدعونا فيه إلى الله عز وجل، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن أحمد عبده ورسوله. 
وما إن فرغ صغاطر من قولته تلك حتى انكب عليه من كانوا في الكنيسة، وضربوه حتى تحولت ثيابه البيضاء إلى حمراء من دمائه، واستمرّوا في ضربه حتى فاضت روحه، وكانت آخر كلماته: “أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله”..