صاحب الرسول وبطل الريف وزوجة الخليل

لم يعتمد الكاتب جهاد الترباني معيار فارق الزمان أو المكان أو حتى فارق العظمة في ترتيب أسماء العظماء المئة، وأكد أن الأمر عنده سيان بعد الأنبياء والرسل، إلا أنه استثنى شخصا واحدا، واستثناؤه الإستحقاقي هذا هو “أبو بكر الصديق” رضي الله عنه وأرضاه. 
  صاحب رسول الله 
وكيف لا يكون “أبو بكر الصديق” أول العظماء في كتابنا وأعظمهم وهو الشخص الذي حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو في فراشه الأخير – على أن يكون هو الإمام المقدَّم، فقال قائلا “ويأبى الله والمؤمنون، إلا أبا بكر”. 
كيف لا يكون “أبو بكر الصديق” أول العظماء وأعظمهم، وهو أول رجل في التاريخ يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أول المبشرين بالجنة، وعلى يده تمت هداية خمس من هؤلاء المبشرين.
هو رفيق الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه قبل الإسلام وبعده، وأشبه الناس طِباعا به، وأول أعظم عشرة رجال وطئت أقدامهم الأرض بعد الأنبياء، وهو أول من حمل راية الخلافة التي لم تتعدى السنتين و 3 أشهر و 10 أيام.
أبونا أبو بكر الصديق هو الإنسان الوحيد الذي اختاره الله عز وجل من فوق سبع سماوات ليصحب رسوله في الهجرة، عظمة هذا الرجل دينيا لا يختلف عليها اثنان، وحتى يكون الكاتب في موضع حياز تاريخي فقد ركز على عظمة أبي بكر الصديق من الناحية الإنسانية، ولخص فضله على البشرية في نقطتين، ألا وهما:
– الفضل الأول : لا يخفى على أحد كيف ضاعت الرسالات السماوية للأنبياء والرسل السابقين، ونذكر على سبيل المثال بني إسرائيل الذين عبدوا العجل لمجرد غياب موسى عنهم لأربعين يوما فقط، وقوم نوح الذين اتخذوا أولياء الله أربابا، وحتى لايحدث نفس الشيء مع الرسالة المحمدية، سخر الله أبا بكر الصديق الذي خرج بعد موت حبيب روحه ورفيق دربه إلى المسلمين واضِعا أمامهم أعظم قاعدة عرفتها البشرية “من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”
أيُّ حكمة وأي ثبات اجتمعا بهذا الرجل العظيم ليُلقي قاعدته العظيمة هاته، وفاجعته أعظم ! 
– الفضل الثاني : علاوة على كونه أول من حمل شعلة التوحيد بعد الأنبياء، وبالتالي كان أول بشر عادي تُوكل إليه الدعوة دون الأنبياء، فقد حمل راية الإسلام عاليا وأتم ما بدأه سيد الخلق رسولنا الأعظم. 
لقد كسر أبو بكر الصديق القاعدة العسكرية التي تقول ” تجنب فتح أكثر من جبهة واحدة في القتال العسكري” لقد كسرها حين قاتل جيوش أكبر امبراطوريتين في الأرض في نفس الوقت، وهما امبراطوريتا “الروم والفرس”؛ وقد أزال هذه الأخيرة من على وجه الأرض وإلى الأبد، وليكمل الأبطال الأتراك الدرب الذي بدأه أبو بكر الصديق مع الروم. 
شخصيا، إذا تزوجت ورُزِقت بذكر ، سأسميه “بكر” وسأحتفظ بهذه التدوينة إن سألني يوما لما اخترت لي هذا الإسم بالضبط يا أمي، سيكون فخورا بأنه يحمل اسم “أبي بكر الصديق” لقب أب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. تذكروا أن أبا بكر الصديق ما لُقِّب بهذا اللقب إلا لتكبيره في كل خير والصديق لأنه صدَّق بمعجزة الإسراء والمعراج منذ أول لحظة. 
  بطل الريف 
عظيمه الثاني مغربي الجذور، ريفي الحضور وشَرَّفَتْهُ مصر بقبول طلب لجوئه السياسي، أسطورة المغرب، إنه الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي.
لا شك أن قرءانا الأعزاء قد سمعوا عن الثائر الشيوعي ” تشي جفارا”، ولا شك أيضا أنهم أُعجبوا بحرب الفيتنام ضد الأمريكان، لذا أحب أن أخبركم أن الأول عند لقائه ببطلنا سنة 1960 خاطبه قائلا “أيها الأمير، لقد جئت إلى القاهرة خصيصا لكي أتعلم منك”، أما قائد حرب الفيتنام الزعيم “هُو شميته” فقد اعترف أن نظام حفر الخنادق الممتدة تحت الأرض حتى ثكنات العدو قد اقتبسها من الأمير الخطابي، الذي لطالما اقترن اسمه باسم فن من فنون القتال العسكري وهو ” حرب العصابات” واقترن بلا أدنى شك بمقاومة الريف للاستعمار الإسباني لشمال المغرب.
ففي معركة أنوال الخالدة والتي يسميها الإسبان ” كارثة أنوال” “Resarte de anwal” حيث أَلحق 3 آلاف مجاهد تحت قيادة البطل المغربي بجيش الإسبان المكون من 60 ألف جندي مدَعمين بالطائرات والدبابات شر هزيمة، لقد انتصرت القلة القليلة لأنها كانت في خصام في سبيل الله.
وفي معركته الثانية، انتصر القائد مرة أخرى بطعم أقوى وأعجب، فقد كوَّنت دول الصليب تحالفا من نصف مليون جندي أوروبي، ورغم أن عددهم كبير وعتادهم أقوى، إلا أن 20 ألف مجاهد مسلم انتصروا مجددا.
ولولا خيانة الداخل لما جلس بطلنا على طاولة التفاوض بعدما تحالف ضده الاسبان والفرنسيون والإنجليز وخونة الداخل لينتهي به المطاف منفيا لأزيد من 20 سنة في إحدى جزر المحيط الهندي. وبعد منفاه استقر بمصر وتابع نضاله ودعوته للمقاومة. ورغم أن مشروعه كان لوطنه المغرب، إلا أن قضيته كانت أبعد من ذلك، إنها الوحدة العربية الإسلامية؛ ربما هو الرجل الوحيد الذي سعى إلى امتداد الإسلام ككيان ودولة بعد الإمبراطورية العثمانية. رجل تغنى باسمه أهل آسيا وإفريقيا والهند، ظاهرة بشرية فريدة ورجل قامة لكل العرب والمسلمين. 
  زوجة الخليل 
أما أرض مصر العظيمة التي احتضنت بطلنا الخطابي، سبق وأنجبت لنا بطلة كانت أعظم بطلات أمة الإسلام، إنها المرأة المؤمنة التي خاطبت زوجها إبراهيم عليه السلام ” الله أمرك يا إبراهيم؟ فلن يضيعنا الله أبدا ” حروف بسيطة توحي لأعمق مراتب الثقة بالله عز وجل وتفويض الأمر له والقلوب مطمئنة والعيون مغمضة، لأن أمر الله كله خير.
سيدتنا العظيمة هاجر، رغم أنها عاشت قبل بعثة الرسول بمئات السنين، إلا أنها تنتمي لنفس العقيدة ونفس الدين، دين الإسلام، دين كل الأنبياء والرسل من آدم حتى عيسى عليه السلام.
بطلتنا قبطية الأصل، ولفظ القبط يعني سكان وادي النيل، هذه المرأة مثال لقاعدتين إلهيتين متلازمتين للنجاح والوصول إلى المبتغى وإن بدى للناس مستحيلا، وهما “الإيمان والعمل”. لقد وثِقت السيدة هاجر بأن الله سبحانه سينصرها ولن يتخلى عنها، وبعد ذلك أخذت بالأسباب، أسباب الحياة بين الصفا والمروة، ليس مرة وليس مرتين وإنما لسبع مرات، أمر قد يبدو في منتهى العبث، ولكن في اللحظة التي التي أوشك طفلها إسماعيل عليه السلام على الهلاك، خرجت من بين أقدامه “عين ماء”، خرجت بين الصخور الصلبة ولا زالت تخرج في إعجاز ليومنا هذا، وكأنه الله يقول لنا ينبوع النصر لا ينضِب أبدا، إنها عين ماء زمزم بمكة.
إنها حكاية معجزة، حكاية البقاء، حكاية اليسر الإلهي الذي يأتي بعد أن تستوفي الشرطين : الثقة بالله والعمل.
 يُتبع…