الصواعق لا تضرب إلا القمم

أنت أكبر من كل أزمة، وأقوى من كل ضربة

ما من أحد في هذه الحياة إلا وقد مر بمواقف صعبة في حياته، فالحياة بطبيعتها ليست سهلة، تمتلئ عند كل منعطف بمحن وآلام تباغتنا وتسلب راحتنا النفسية مما يجعلنا عرضة للضغط النفسي. إلا أن طبيعتنا كبشر تختلف وقدراتنا تتفاوت على التكيف مع حالات الضغط النفسي والتغيير الذي نواجهه بعد كل موقف صعب؛ فكلما كان الشخص أقدر على الخروج من حالته النفسية واستعادة توازنه النفسي عاد إلى حياته بسرعة أكبر.

بينما الأشخاص الذين يجدون صعوبة في تجاوز المحطات الحياتية الصعبة يصبحون أسارى لحالتهم النفسية، غير قادرين على إدارة المواقف الصعبة أو حتى العودة لممارسة سلوكياتهم أو أنشطتهم التي كانت تعد مصدرا للاستمتاع بالنسبة لهم، ويشعر الشخص وكأن شيئا ما أصاب روحه، فيفقد الكثير من حيويته وشهيته للحياة، وقد يتطور الأمر لانعكاس هذه الآلام النفسية لآلام جسدية، بحسب العديد من الدراسات النفسية التي أكدت على أن سوء الحالة النفسية يترجمها الجسد في صورة آلام عضوية.

إذا ما هو السبيل، أو بمعنى آخر ما هو التكتيك الذي يساعدنا على التخفيف من وطأة الضغط النفسي التي تفرضه المواقف الحياتية الصعبة علينا؟ وهل هناك استراتجيات معينة لبلوغ ذلك؟

بالطبع يوجد، فالموضوع كله معتمد على صلابتك الداخلية وقدرتك على تجاوز المحن والمصاعب؛ فبدلا من التركيز على الجانب السلبي من المحنة التي تمر بها والتفكير في كل تلك السيناريوهات المخيفة التي يتفنن عقلك في نسج أحداثها، اسأل نفسك: كيف يمكنني أن أحول هذا الأمر الذي يسبب لي الضغط النفسي إلى شيء إيجابي ينفعني بدلا من أن يدمر نفسيتي أكثر؟

عندما تبدأ بطرح مثل هذه الأسئلة على نفسك، سيبدأ عقلك لا إراديا بالتركيز على الجوانب الجيدة والخروج بأفكار تساعدك على تجاوز محنتك بحكمة و ذكاء. فإدراكك لفكرة أن ما من شيء أبدا يبقى على حاله في هذه الدنيا، فليس كل فرح باق ولا كل معاناة وألم دائم، لنتأمل جيدا في أحوالنا وأحوال غيرنا؛ ألم نفرح ونبكي ونحزن ونتحسر ونتألم في يومٍ من الأيام؟ فهل بقيت الأيام على حالها؟ ألم تنتهي وتصبح بعد انقضائها ذكرى في النفوس وحديثا في المجالس بيننا؟

وإنه لسهل علينا تقبل الأمور عندما تكون كلها على ما يرام، ولكن هناك مواقف لا تسير فيها الأمور بالطريقة التي نريدها، فلا أحد يرغب أن يعيش ضغوطات نفسية تثقل جسده وروحه، لكن عندما تأتينا هذه الضغوطات نكون أمام خيارين اثنين: إما أن نشكو ونستسلم لما يحدث لنا، وإما أن نلجأ إلى المواجهة والتفكير لايجاد الحلول لتخطي محنتنا.

أغلبنا عندما يتعرض لمواقف صعبة، فإننا نسأل أنفسنا الأسئلة الخاطئة، مثلا: لماذا حصل هذا لي أنا بالتحديد؟ في حين أن الأسئلة الصحيحة التي يجب أن نطرحها على أنفسنا هي: ما الذي يمكن أن أتعلمه من هذا الموقف الصعب؟ ما الذي يمكن أن أفعل حياله وكيف أتجاوز الوضع الذي أمر به بطريقة افضل؟

المواقف الصعبة والضغوطات الحياتية واقع لا مفر منه، والحزن على قدر الموقف ليس شيء خاطئا. فكل شعور سيء إن أعطيته حقه مضيت بعده متعافيا من آثاره، وإن تجاهلته سيبقى يطاردك دوما. وإن أدركت أنه كلما مررت بضغوطات أكثر، كلما زادت قوتك الداخلية ونضجك بعدها، و سيكون واقع هذه الضغوطات سهلاً عليك تجاوزها .

وفي الختام، تذكر دوما أن الغرض الأساس من المواقف الصعبة التي نمر بها هو أن نعبرها ونحن أفضل في كل شيء، أن نحيك من خيوطها ثوب نُضجٍ و قوة نواجه به كل شّدة قادمة، وأن لا نستسلم لها بل نواجهها بكل ما أوتينا من إيمان لتصنعنا وتخرج أفضل ما فينا.

لقد خلقت المصاعب والأزمات لنفهم ذواتنا، لننظر للعالم بعين أكثر نضجا وعقل أوسع، خُلِقًت لندرِك أننا أكبر من التفاهات التي كنا نتعلق بها؛ فالعبرة في نهاية المطاف بالعمل وكيف عشت تلك الأزمة وكيف كنت تستقبل تلك الضربات الموجعة وكيف اجتزتها بنجاح. فلا تستسلم لأبسط هزة ولا تتألم من أبسط ضربة لأن الأوقات الصعبة تحيط بنا جميعا ولا تستثني أحدا، وهدفها الأساسي يبقى صقل معادننا لكي نكون أقوى مما كنا عليه من ذي قبل.

الصواعق لا تضرب إلا القمم

ابتسام عطالله الرمحين

كاتبة في عدة مجلات و صحف إلكترونية ليسانس ترجمة لغة انكليزية صدر لي كتاب بعنوان من التبرير إلى التغيير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *