الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها

الرشوة وجه من اوجه الفساد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي

يشكل الفساد بمعناه الشامل إشكالية تنموية وسياسية ذات أبعاد متعددة تنتج غالبا عن “ الإساءة في استخدام السلطة من أجل الفائدة الشخصية التي تساهم في إفراز مجموعة من الجرائم والسلوكات كالرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وتضارب المصالح والمحسوبية والغش...”( ).

لمواجهة تفشي ظاهرة الفساد التي تأكد أن لها آثارا سلبية بليغة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، انعقد إجماع دولي على ضرورة العمل على التخليق الشامل ومكافحة الفساد باعتبارهما من مستلزمات الحكامة الجيدة في إطار مقاربة شمولية تهدف إلى وضع وتعزيز أنظمة الشفافية والنزاهة والمساءلة، مما دعا الأمم المتحدة… 24- 28 أكتوبر 2011.

أكد محمد السادس في الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الرابعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، أن “مسألة مكافحة الفساد في مقدمة الانشغالات الملحة للمواطنين. ذلك أن آفة الرشوة لم تعد اليوم مجرد مشكلة داخلية لهذا البلد أو تلك المنطقة، بل أصبحت معضلة ذات أبعاد دولية، متداخلة مع عدة جرائم أخرى عابرة للحدود، ساهمت العولمة والتقدم التكنولوجي في تعقد أنماطها وأشكالها كما أن مواجهة الآثار الوخيمة للفساد، كأخطر معيقات التنمية، وخاصة في الدول النامية، تستدعي تضافر الجهود على المستوى الدولي، لرفع التحديات التي تطرحها آفة الرشوة، بكل تجلياتها المقيتة، وخصوصا في عرقلة إنجاز الأهداف الإنمائية للألفية“( ).

في هذا السياق أسس دستور 2011 لنقلة نوعية في مجال النهوض بالحكامة الجيدة ومكافحة الفساد، فاتحا الباب لإطلاق دينامية تشريعية لاستكمال تحيين وملاءمة المنظومة القانونية والرقي بالهيئات الاستشارية الاقتراحية إلى مؤسسات دستورية مستقلة تتوفر على صلاحيات واسعة وأدوار تقريرية وتحقيقية فاعلة، لهذا أحدثت الهيئة الوطنية للوقاية ومحاربة الرشوة بموجب (القانون رقم 113.12 الصادر في 21 شعبان 1436، 9 يونيو 2015 ).

تتكون الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها من ثلاث أجهزة، حسب المادة 6 من القانون المنظم لها من مجلس الهيئة، رئيس الهيئة، مرصد الهيئة. في حين “يتألف مجلس الهيئة، بالإضافة إلى رئيس الهيئة، من 12 عضوا، يختارون من بين الشخصيات ذات التجربة والخبرة والكفاءة في مجال اختصاص الهيئة، والمشهود لها بالتجرد والحياد والاستقامة والنزاهة. يعين أعضاء مجلس الهيئة لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة؛ على النحو التالي:
أربعة أعضاء يعينون بظهير شريف؛
– عضوان يعينان بقرار لرئيس مجلس النواب، وعضوان آخران يعينان بقرار لرئيس مجلس المستشارين؛
– أربعة أعضاء يعينون بمرسوم.

يراعى في تعيين أعضاء مجلس الهيئة، السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، طبقا لأحكام الفصل 19 من الدستور.
يتمتع أعضاء الهيئة وأمينها العام ومقرروها، بالحماية اللازمة من أجل القيام بالمهام الموكلة إليهم ضد أي تدخل أو ضغوطات قد يتعرضون لها ( )”.

تطبيقا للفصل 167 من الدستور المغربي لسنة 2011 تمارس الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها مجموعة من الاختصاصات – مع مراعاة الاختصاصات الموكلة للسلطات أو هيئات أخرى:
 تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات المتعلقة بحالات الفساد ودراستها، والتأكد من حقيقة الأفعال والوقائع التي تتضمنها وفق المسطرة المنصوص عليها في الباب الرابع من هذا القانون، وإحالتها عند الاقتضاء، إلى الجهات المختصة؛
 القيام بعمليات البحث والتحري عن حالات الفساد التي تصل إلى علم الهيئة، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون، شريطة مراعاة الاختصاصات الموكلة بمقتضى النصوص التشريعية الجاري بها العمل إلى السلطات وهيئات أخرى؛
 إعداد برامج للوقاية من جرائم الفساد والإسهام في تخليق الحياة العامة، والسهر على تنفيذها بتنسيق مع جميع السلطات والهيئات المعنية؛
 العمل على نشر قواعد الحكامة الجيدة والتعريف بها، طبقا لميثاق المرافق العمومية المنصوص عليه في الفصل 157 من الدستور؛
 إبداء الرأي بطلب من الحكومة، بخصوص كل برنامج أو تدبير أو مشروع أو مبادرة ترمي إلى الوقاية من الفساد أو مكافحته؛
 تقديم كل اقتراح أو توصية إلى الحكومة أو إلى مجلسي البرلمان، تهدف إلى نشر وتعزيز قيم النزاهة والشفافية وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العام وقيم المواطنة المسؤولة؛
 دراسة التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية المتعلقة بوضع المغرب في مجال الفساد، واقتراح الإجراءات المناسبة وتتبعها؛

تدعيما لأهداف وغايات الهيئة الوطنية لمكافحة الرشوة ومحاربتها والحد من الفساد، تقدم في هذا الإطار حسب المادة 39 تقريرا ويتضمن على وجه الخصوص، جردا لعدد ونوع التبليغات والشكايات، وبيانا لما تم البت فيه منها، وما قامت به الهيئة من بحث أو تحر، والنتائج المترتبة عنهما. كما يتضمن بيانا لأوجه العراقيل التي واجهتها الهيئة في أداء مهامها، وتوصياتها ومقترحاتها حول التدابير التي يتعين اتخاذها لترسيخ قيم الشفافية والحكامة وتخليق المرافق العمومية..

إن الإطار القانوني للهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها، يؤهلها للاضطلاع بأدوارها، سواء على مستوى الوقاية ومكافحة الفساد بجميع أشكاله باعتبارها حلقة أساسية في العقد المؤسساتي لمكافحة الفساد. فالتنصيص الدستوري يضمن لها موقعها كقوة مؤثرة في الدينامية الوطنية لمكافحه الفساد، وكذا تجسيد خطابها المتميز كسلطة معنوية وقوة اقتراحية، والتي يمكن الوقوف عليها من خلال التوجهات التالية؛ على مستوى صلاحية إبداء الرأي بخصوص جميع مشاريع النصوص القانونية ذات الصلة بمجال تدخلها، ومنحها الشخصية المعنوية والاستقلال المالي والتدبيري، تمكينها من الحصول في الآجال المعقولة على توضيحات معللة تتعلق بمآل توصياتها ومقترحاتها.
بغض النظر عن الإطار الدستوري المشار إليه أعلاه فإن هذه المؤسسة تجد نفسها في تقاطع بين وظيفتها، غير الواضحة المعالم وتماهيها مع الدور المختص للقضاء في محاربة الفساد، بحيث ما يجعل هذه الإشكالية ذات تعقيد خاص. يلاحظ أنها كلفت بعدة مهام تدخل في اختصاص النيابة العامة دون تمكينها من الوسائل المادية لذلك، بحيث نجدها تتلقى حتى الشكايات والتبليغات والمعلومات.


مولاي الحسن العلوي، الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة: الخصوصيات، الحصيلة، الإكراهات والآفاق، سلسلة ندوات محكمة الاستئناف بالرباط، العدد الرابع، سنة 2012، ص 64.
2- تاريخ الاطلاع 2019/03/03

3- الجريدة الرسمية عدد 6374، 15 رمضان 1436، 2 يوليو 2015.
4- الظهير الشريف رقم 1.15.65، المادة 6.

الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها

إسماعيل مستاكو

طالب باحث بماستر القانون الإداري وعلم الإدارة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *