“الكتاب” أزمة قراءة أم أزمة تسويق

أزمة القراءة في الوطن العربي

لقد كان “الكتاب” ولا يزال منبع العلم وتحصيل المعرفة، فعندما يسعى شعب ما سعي التقدم والسير نحو الأمام، يضع بين عينيه التزود بزاد العلم والمعرفة كي يسير بخطى ثابتة صائبة لا منحرفة ولا زائغة عن الحق.

إن من أساسيات الحضارة والرقي التشبع بالعلم النافع والإستقاء من منبع الحق المبين.
إن ما نراه بارزا بين الحضارات السابقة التي تركت آثاراً وقدم صدق في التاريخ الإنساني حب التعلم والإطلاع على كل جديد والإرتواء من كل المشارب النافعة التي تكتسب من خلالها مبادئ وقيم بها يُصلح المجتمع ومن دونها يُفسد، و أقرب مثال يُضرب في هذا الصدد يتمثل في الحضارة الإسلامية التي بلغت ذروتها في “العصر الذهبي” الذي تميز باستقطاب كل العلوم والمعارف الهندية واليونانية والصينية والفارسية وتمت ترجمتها إلى العربية، حيث أصبحت اللغة العربية اللغة السائدة عن كل اللغات، بحيث تحمل بين حروفها كل ما توصل إليه البشر من علم على مر السنون و القرون، ونتج عن هذا الجهد بروز علماء في مختلف المجالات كالطب والفلك والفيزياء والرياضيات والهندسة والفقه والأدب والشعر والموسيقى..

بينما الكلام عن زمان استُبدِل فيه الكتاب بالهاتف واستُبدِلت المكتبات بالسينما، لهُوٓ أصعب على النفس من أن تصف حال هذه المجتمعات وما تعانيه من التشرذم والجهل المدقع رغم كل التغيرات التي طرأت بفعل التكنولوجيا ووسائل الإعلام.

إن مجتمعاتنا تولي الإهتمام بما يجلب المنفعة الفورية وتتغاظى عن كل ما يعكس ذلك، وتروج المنتوجات التي قد تجني بها أرباحا طائلة أما ما دون ذلك فهي متهاونة.

البلدان العربية لا تولي الإهتمام بثقافة شعوبها ولا تمهد لهم السير نحو عآلٓم عآلِم مثقف ولا تبني للأجيال القادمة بلدا بين صفوف البلدان المتقدمة، بل هي تُهدم باسم التقليد والمحاكاة، هي تُخرب باسم الحداثة والتطور وهي لا تعلم ذلك ويا أسفاه.

إن الأسواق العربية تعج بكل الحاجيات والمستلزمات من كل حدب وصوب من ملابس وأحذية وأغذية ومقاهي وفنادق.. ،ناهيك عن الإعلانات السمعية والبصرية للمنتجات في التلفاز وفي وسائل الإعلام المختلفة التي تولي كل الإهتمام لهذه الإشهارات، بينما المكتبات والكتب لا تجد مكانا لها وسط هذا الصخب وهذه الضوضاء، بل هي تُعد بالأصابع من قلتها وندرة كتبها التي لا تفي الغرض ولا الطلب، ولا مجال للحديث عن سعرها الذي لا يشجع الفقير ذو الدخل المحدود، فكيف تسعون إلى تثقيف المجتمع من براثن الجهل وقلة الوعي وأنتم تضعون لهم العراقيل والأشواك في طول الطريق وعرضه؟ كيف نثقف الشعب الذي تشكل فيه الطبقة الفقيرة اغلبية ساحقة والتي تعيش أوضاعا إقتصادية متردية برفع أسعار الكتب وعدم تيسيرها للقارئ بل وعدم الترويج لها وكذا ندرتها في الأسواق.

إن “الكتب” لا تحتل المكانة التي تستحق وسط هذا الحشد المادي، قد زٓهُد الناس فيها واستغنوا عنها بعدما قُدم لهم البديل على طبق من ذهب.

بفضل الإعلام الذي يعتبر سلطة خفية يصعب الاستغناء عنها في زماننا هذا، فبإمكانه توجيه المجتمع أينما أراد وكيفما أراد لانه يملك بزمام أمور الشعب أو بعبارة أخرى إنه يستحوذ على “عقولهم وقلوبهم“.فإن استُعمِل في طريق الخير والمنفعة فسيضع الشعب موضع الجد فيكافح في تثقيفه وتحبيب القراءة له وترويج الكتب عبر برامج تربوية وتعليمية ويجاهد في الدعوة إلى بناء المكتبات ودور النشر وتوفير الكتب في مختلف المجالات بسعر يتماشى مع مدخول الشعب الفقير.

إن مجتمعاتنا لا تعاني من أزمة القراءة كما هو معروف بل إنها تفتقد التشجيع وغياب ترويج وتوزيع الكتب في القرى وضواحي المدن وفي الأحياء المعزولة عن وسط المدن، وبسبب ندرة المكتبات في هذه الأوساط يلجأ القراء إلى الكتب الإلكترونية، فمعظم القراء الذين يجدون عوز الدولة في تمويل “الكتاب” ونشره هم ممن يتعاطون القراءة الإفتراضية، فالأزمة ليست في العزوف عن القراءة بل هي أزمة غياب المسؤولية والتراخي وعدم إعطاء الأهمية الكافية للكتاب ومريديه من قبل السلطات.

إن أزمة تسويق الكتاب (السبب) تولد أزمة القراءة (النتيجة) لدى الفرد، فإن لم يكن للأولى حضور فسيكون للثانية غياب بدون شك.

“الكتاب” أزمة قراءة أم أزمة تسويق

فاطمة الزهراء عابيدي

ممرضة متدربة بمدينة العيون، 20 سنة، عاشقة للتدوين وشغوفة بالقراءة العربية.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *