علاقة الحكومة بالمؤسسة الملكية

تحولات العلاقة بين سُلطتيْن بعد دستور 2011

لا أحد يجادل اليوم في كون حركية الإصلاح بما لها وما عليها جاريةٌ في المشهد السياسي المغربي، وتتيح مراجعة التحولات الناتجة عنها منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، معاينة وجود حركية تنبئ بإمكانية حصول طفرة في مجالنا السياسي، شريطة أن تتوفر الإرادة السياسية القادرة على تحصين المكاسب والمنجزات، وتحويلها إلى نقط ارتكاز صانعة لآفاق قادرة على مقاومة الممانعات والضغوط الرافضة لمؤشرات الإرادة السياسية البادية اليوم في مجال الإصلاح.(1)

عندما نقف مثلا على المؤسسة الحكومية، نتبين أنها شهدت مجموعة من الإصلاحات بعد دستور 2011. تأسيسًا على كل هذا، سوف نتناول بالتأسيس التصوري المؤطر لهذه المؤسسة، وهو مدخل نراه مهما من أجل فهم الإجراءات التقنية التي أورتها الوثيقة الدستورية، والوقوف على العوائق.

من بين العناصر الإيجابية التي جاءت بها دستور 2011 فيما يتعلق بعدم إمكانية إقالة الملك لرئيس الحكومة، لكن هذا سرعان ما يتبدد، حيث أن نفس الفصل يضيف أن من حق الملك إقالة جميع أعضاء الحكومة، بالتالي، أن الملك قد يشل عمل الحكومة إذا ما تم إقالة أعضائها. خاصة هو أنه يعين الحكومة باقتراح من رئيسها(2).

يمكن استنتاج أن حق الإعفاء هذا يعني أن الملك هو الذي يتحكم في أعضاء الحكومة، وليس رئيسها. وبالتالي، تصبح الحكومة خاضعة للملك ويصبح مبدأ فصل السلط (وخاصة منه الفصل بين سلطة الملك والسلطة التنفيذية) غير موجود على أرض الواقع.

وتجدر الإشارة لمجموعة من الملاحظات يجب الوقوف عليها في هذا الباب؛ من بينها مجلس الحكومة والمجلس الوزاري. ذلك إن مجلس الحكومة تم الارتقاء به دستوريا في ظل دستور 2011 من مؤسسة ثانوية إلى مؤسسة دستورية ذات طابع استراتيجي في الهندسة الدستورية، وعلى خلاف باقي الدساتير، مَنَح الفصل 92 المجلس الحكومي سلطات واسعة على مستوى التداول والتقرير في النصوص التنظيمية والسياسات العمومية والقطاعية.

لكن رغم هذا التطور الهائل في مجال الارتقاء ببنية ووظيفة المجلس الحكومي. إلا أن المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك يظل يحتكر العديد من القضايا المهمة، حيث يتداول (3) في التوجهات العامة الاستراتيجية لسياسة الدولة. بالتالي، نقف عند ملاحظة مهام المجلس الوزاري فهو مؤسسة دستورية منتظمة الانعقاد، ولا يمكن لمجموعة من المشاريع والنصوص أن تأخذ مجراها إلا بعد مصادقة هذا المجلس عليها (4). ومن ثمة نستنتج وجود نوع من تبعية مجلس الحكومة للمجلس الوزاري.

في مجال التعيينات يمكن إبداء ملاحظة هامة بخصوص القانون التنظيمي رقم 02.12 (5) المتعلق بالتعيين في المناصب العليا والذي أعطى الملك بمهمة التعيين فيها، وهي 37 مؤسسة اعتبرت استراتيجية، رغم أن هذه المؤسسات ذات طابع تنفيذي، رغم أن الدستور قصَّر السلطة التنفيذية على الحكومة.

وممّا يمكن استخلاصه من مختلف الصلاحيات التي تم استعراضها أعلاه:

  • رغم أن الوثيقة الدستورية نصت في ديباجتها على أن نظام الحكم بالمغرب هو “نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية” وابتعد بالنظام السياسي عن صفة “الملكية التنفيذية”، بدليل أنه اختص الحكومة بصفة التنفيذ، إلا أن المؤسسة الملكية لا تزال فاعلة ومنفذة في مختلف المجالات الحيوية، فترؤس الملك للمجلس الوزاري يمنحه القدرة في التأثير في السياسات العمومية، كما أن ترؤسه أو تعيينه لرؤساء العديد من المؤسسات ذات الطابع التنفيذي، تجعله الماك الفعلي بخيوط العمل في أكثر من مؤسسة استراتيجية.

الملكية كما تصورها ديباجة الدستور، يفترض فيها أن تبعد المؤسسة الملكية عن الشأن التنفيذي وتضعها في موقع يسمح لها بأن تمارس عملية التحكيم، لأن هذه الأخيرة تتناقض وأن يكون الحكم رئيسا أو معينا لمجموعة من المؤسسات التي ينبغي أن يكون حكما بينها.

ألحَّ الدستور في أكثر من موقع على أن الملك ينال صلاحياته ومهامه بما تنص عليه الوثيقة الدستورية صراحة، وذلك حتى لا يتم تجاوز تلك الاختصاصات نتيجة تأويلات معينة، ولكن هذا الأمر سرعان ما يتبدد ويتلاشى؛ فحينا يتم السكوت عن الجهة التي من حقها ممارسة مجموعة من الاختصاصات(بعض التعيينات)، وحينا آخر تتم الإحالة على القانون التنظيمي من أجل المزيد من الصلاحيات (القانون التنظيمي الذي يكفل للملك الحق في تعيين رؤساء المؤسسات الاستراتيجية) (6).

وبالعودة أيضا إلى القانون التنظيمي رقم 12-02 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، التي لا نجد من ضمن هذه المناصب رئيس المجلس الأعلى للحسابات أو هيئات الحكامة، وبالتالي فإنه لا يوجد أي نص قانوني يمنع رئيس الحكومة من تعيين الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أو رؤساء مؤسسات الحكامة أو يعطي للملك الحق في تعيينهم دون الرجوع إلى المجلس الوزاري مع الإشارة إلى أن تعيين بعض هذه المؤسسات الدستورية من قبل الملك يكون منصوص عليه داخل القانون المنظم للمؤسسة كما هو الحال بالنسبة للمجلس الأعلى للحسابات(7).

أما فيما يتعلق ببروز وتنامي موجة الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، سرعان ما تطورت إلى إشكالات أثارت توجُّس السلطة، واتخذت منحى كان من الممكن تفادي نتائجه، (حراك الريف، جرادة، زاكورة..). نجد أن الحكومة لم تستطع تدبير هذه الأزمات بالشكل المطلوب، وهو ما جعل المؤسسة الملكية تجد نفسها هي المتدخل الوحيد، في ظل غياب أجهزة وَساطة. وفي هذا الصدد يرى الأستاذ العروي على أن “يداً واحدة لا تصفق مثل نستشهد به كثيرا عند حلول أزمة أو أثناء حملة انتخابية” (8).

إن أزمة الثقة بين الأحزاب السياسية والمواطنين تعد من الأسباب الرئيسية، وبالتالي تحُدّ من نجاح هذه المؤسسات في تعبئة المواطنين وتحفيزهم على المشاركة في الحياة السياسية سواء من خلال انخراطهم في الأحزاب السياسية، أو في التصويت خلال الانتخابات، إضافة إلى تجنيد واختيار العناصر القيادية للمناصب الحكومية ووضع البرامج والسياسات العمومية.

المسؤولية هنا لا تتحملها الأحزاب لوحدها، بل يتحملها النظام السياسي المغربي، القائم على أساس مَلكية تنفيذية/حاكمة. أما الأحزاب فلا تحضر إلا زينة فقط لتأثيث المشهد السياسي. فإذا كان موريس دوفرجيه قد حدد وظيفة الحزب السياسي في النظام الديمقراطي الحديث؛ في السعي للوصول إلى السلطة أو على الأقل الرغبة في المشاركة في ممارستها، فإن الحزب السياسي في التجربة السياسية المغربية لا يدخل ضمن هذا التصور (9).

كما يلاحظ كذلك انفلات جزء مهم من السلطة التنفيذية من بين يدي رئيسها، ومن بين مؤشرات ذلك هو ما تعرضت إليه مظاهرات “الأساتذة المتدربين” من تفريق عنيف من لدن قوات الأمن، وما أعقب ذلك من تعارض في تصريحات كل من رئيس الحكومة ووزير الداخلية أمام مجلس النواب في هذا الشأن (جلسة 12 يناير 2016). ففي حين كان وزير الداخلية يقول بأن التفريق تم بتعليمات من الحكومة وباتفاق مع رئيس الحكومة، كان هذا الأخير ينفي ذلك ويصرح أمام البرلمان بأنه ليس له علم بما تعرض إليه الأساتذة المتدربين، وهو ما قد يدل على أن الشؤون الأمنية والداخلية للمملكة لا توجد بعد تحت سلطة رئيس الجهاز التنفيذي.

ويمكن الختام في هذه الفقرة بالقول إنه لا زالت صلاحيات السلطة التنفيذية، وخاصة ما يتعلق برئيس الحكومة، وفق ما نص عليه المُشرّع الدستوري، تحتاج إلى مزيد من التفعيل. ولعل من بين الأسباب الرئيسة التي تعوق ذلك هو غياب فريق حكومي قوي ومتجانس.

ما يجعل السياسة بئيسة عندنا هو بالضبط شُموليتها. لا تنفصل “الغمزة” عن “الدبزة”، القهر عن المؤالفة، السياسة/رعاية عن السياسة/تدبير. لم تتكون بعد نخبة سياسية واسعة تتأهل وتتجدد باستمرار، تتحمل المسؤولية لمدة محدودة كعبء مكلف وبالتالي مؤقت، كمرحلة لازمة ضمن تجربة أوسع وأغنى. فيستطيع المرء أن يقول هناك حياة قبل وبعد السياسة“.

قول عبد الله العروي الذي لخص به الفعل السياسي والممارسة السياسية بالمغرب

من بين أهم الخلاصات التي يمكن الوقوف عليها على هذا المستوى نجد؛

  • ساهم دستور 2011 في تقوية مؤسسة الحكومة، وتعزيز استقلاليتها، من حيث التأليف، عبر دسترة المنهجية الديمقراطية، وعدم إمكانية إقالة الملك لرئيسها.
  • أصبح لرئيس الحكومة بعض الصلاحيات على مستوى التعيين في بعض المناصب العليا، لكنها تبقى صلاحيات هامشية، كونها لا تطال إلا المؤسسات الإدارية والتنفيذية ذات الطابع التقني الخالص أو ذات الخاصية التدبيرية الصرفة.
  • الحضور الوازن للمجلس الوزاري في صياغة التوجهات الكبرى للدولة بالمقارنة مع المجلس الحكومي.
  • ضعف التواصل السياسي لدى أغلب الأحزاب السياسية، وأزمة الثقة بينها وبين المواطن المغربي، وعدم إنتاج نخب سياسية لا تواكب خصوصيات المرحلة، مما أدى إلى عدم وجود أحزاب قوية، وظهور المؤسسة الملكية كفاعل وحيد في المشهد السياسي المغربي.

هوامش ومراجع

1 – كمال عبد اللطيف، الإصلاح السياسي في المغرب التحديث الممكن، التحديث الصعب، المكتبة السياسية، المدارس-الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2011، الصفحة 20.
2 – الفصل 47 من دستور 2011 “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها.
ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها.
للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم.
ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة”.
3 – يمكن تلخيص مهام المجلس الوزاري في الآتي:
التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة، مشاريع مراجعة الدستورـ مشاريع القوانين التنظيمية، التوجهات العامة لمشروع قانون المالية، مشاريع القوانين، قوانين الإطار المشار إليها في الفصل 71 (الفقرة الثانية)، مشروع قانون العفو العام، مشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري، إعلان حالة الحصار، إشهار الحرب، مشروع المرسوم المشار إليه في الفصل 104 من هذا الدستور.
4 – عبد الرحيم العلام، الملكية وما يحيط بها في الدستور المغربي المعدل، الصفحة 29.
5 – ظهير شريف رقم 1.12.20 صادر في 27 من شعبان 1433 (17 يوليو 2012)بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، الجريدة الرسمية عدد 6066 الصادرة بتاريخ 29 شعبان 1433 (19 يوليو 2012).
6 – عبد الرحيم العلام، الملكية وما يحيط بها في الدستور المغربي المعدل، دفاتر وجهات نظر، الطبعة الأولى، الصفحات 31-32.
7 – تطرقت المادة 7 من القانون 105.12 إلى تأليف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حيث “علاوة على الرئيس الذي يعين من قبل الملك لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
8- عبد الله العروي، ديوان السياسة، الصفحة 145.
9 – إدريس جندري، التجربة الحزبية في المغرب: غموض التصور وإعاقة الممارسة، سلسلة تقييم حالة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، فبراير 2012، الصفحة 12.

إسماعيل مستاكو

طالب باحث بماستر القانون الإداري وعلم الإدارة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *