غرق العلاقات بالمصلحة

لا يختلف اثنان اليوم حول مفهوم الصداقةِ أنها علاقة تربط الإنسانية، أي رابطة تجمع الناس فيما بينهم على الحب والأخوة من أجل التماسك بروح الجماعة، فصدق من قال اليد الواحدة لا تصفق، وأيضا الحياة المنعزلة لا تجلب السعادة؛ إذن هذه الصداقة كلما كانت بين طرفين فهي تحفها مقاصد حميدة من بينها الإخلاص والرعاية بصدق، فالحزن والفرح يتمثلان على صديقك الصادق والعكس صحيح، هذه هي الصداقة الحقيقية المبنية على الحب والإحترام. بكاؤك على صديقك وابتعاده مطَرٌ من أجل نبات الحب المتماسك. 
لكن للأسف يمكن للصداقة أن تتعرض في يوم من الأيام لرجَّات فتهبط درجات الإخلاص تدريجيا عن مستواها الطبيعي الذي كانت عليه في السابق، و معها يقع التنافر والتباعد، وذلك نتيجة ظروف فرضتها الأحداث أو فرضها الواقع، لكنَّ هذا لا ينفي أن هاته الصداقة أو العلاقة تعيش على زمن الماضي وتحافظ على مكانتها في نفسية الإنسان وتحرك وجدانه من حين إلى حين آخر، أي أن تلك الصداقة التي بنيت على أسس متينة ووثيقة لا يمكنها أن تصل لمرحلة الجمود بعد أن ثبتت قواعدها في الماضي على الصدق في المعاشرة وتأمين قواعد الحب الأبدي في الصندوق الأسود، لكن أحببَتْ تغيير اللون بالأبيض المشبع بالسلام و الرأفة.. 
تلك الآهات تجرنا للحديث عن تلك العلاقة التي اقترنت بمبدإ المصلحة الذاتية من طرف واحد أو قد تصل تلك المصلحة الى مصلحة مشتركة معها تنصهر تلك القيم وتتراجع تدريجيا إلى أن يذوب ذاك الاهتمام والحب والإخلاص المتبادل القائم على الصدق والمودة الخالصة التي لا تشوبها شائبة. 
العلاقات الغرامية أو تلك الصداقات حين تتذبذب ترسل تلك الاشارات الرامزة فتتحرك معها أيضا تلك الأحاسيس الغامضة، ليتصارع فكرك مع ذاك الشك المبدئي ليجول ويدور في مخيلة أو عقل أحد الطرفين أو كليهما معا، فتلك التوهيمات الشيطانية والتصدعات، ولو حتى مع يقينك بالحقيقة، تتصاعد ومعها يرتج المكان وتفتح بين طياتها شقوقا متراتبة، لكن ولو مع ذلك تبقى بوادر الصداقة الصادقة تقوم بعملها وتُلَفق أكثر من عذر، وأنت تتذكر قول جعفر بن محمد ” .. إلتمس لأخيك واحدا إلى سبعين عذرا.. ” وتسأل وتخاف عليه من أن تفتح جرحه أو تجرحه بحقيقة الانفصال وذلك باللعب على أوراق الجوكر والمراوغة معه بالنفاق المرحلي، فمحادثثك معه على المسنجر أو الواتساب لا تتجاوز إرسال اليد جوابا على سلامه فتحمل معها دلالة واحدة وهي تدهور العلاقة، وحنيما تتصادفان تسلم وتكمل كلماتك بقول: لدي عمل مهم وضروري لنلتقي فيما بعد… أو حنيما يطرق باب بيتك لا تجيب وتلتزم الصمت أو تخبرهم بإرجاعه، وحين يدعوك للأكل أو للخروج معا تتجاهل الدعوة، أو تترُك رنين هاتفك يهز المكان للهروب من الجواب، حتى رسائله تصبح آخر اهتماماتك إلى حين وصول الحلقة الأخيرة من المسلسل، عندما تُفهَم إشاراتك من ذاك الصديق أو ذاك الحبيب الذي باعك من أجل المصلحة بأنك قد استغنيت عنه لسبب من الأسباب، فالأمر سيان لا يتجاوز كونه كان نفاقا مُنظما، سادت فيه لغة المصالح ورُسِمت حوله لوحة من سراب في عز الحر فغطاها زمن الأحباب، أو تلك الصداقة الزائلة المجتثة من رحم المودة والإخلاص بصباغة مائية قشرتها مياه الصدق منك والإخلاص. 
ليس النجاح في الحياة هو أن تجد ألف صديق في سنة قمرية أو شمسية سمِّها كيفما شئت، بل الأفضل أن تنجح في كسب صديق واحد بالمفرد أو شريك حياة لك وحدك فيكون معك لألف سنة بأتراحها وأفراحها، فالصداقة ليست بطول السنين بل بصدق المواقف، ودلالةُ هاته الأبيات قوية فاقرأ وتمعن :
 مَا أَكْثَر الأَصْحَـابَ حِينَ تَعُـدُّهُمْ 
 ولَكِنَّهُـمْ فِـي النَّـائِبَـاتِ قَلِيـلُ
إن تفشي فيروس المصلحة في العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع قد أضرت بمفهوم الثقة عند البعض وأصابت البعض الأخر بالانكسار واختيار العزلة الانفرادية بعيدا عن الكل. الروايات اختلفت من المصابين بلسعةِ أفعى المصالح التي أرخت بظلالها وأصابت اللسان بعنف الصدمة الصامت في نفسية ذاك المصاب، فعندما تجعل من اهتمامك خالصا لشخص واحد، بحب و شغف لا نظير لهما، فذاك الحبيب أو الصديق الذي وضعت أمانيك عليه و كنت تحسب أنك حقا حصلت على شريك أو أخ أنجبته لك الحياة عوض أمك، هنا تتناثر الكلمات بنفسيتك وتخبرك بنجاحك في الفوز بأغلى وأمتن العلاقات، لكنه سرعان ما تتبدد تلك الكلمات عندما تقع في الشدائد أو إحدى الأزمات فتُكْشَف معها الأقنعة المستورة بمكياج التمثيل، حينها تظهر شعوذات الشياطين على وجوه المنافقين المصلحيين بسقوطِ تلك الأقنعة المؤلمة من هول ذاك المنظر. ولقد استهوتني تلك القولة التي تقول “الصديق عند الشدة أو الضيق” نعم صحيح، لكن لا يمكننا حصرها عند الضيق بل يجب أن تكون صالحة لكل زمان و مكان، أي لا يجب حصر تلك العلاقات أكانت غراميةً او صداقةً في تلك الزاوية الضيقة الباهتة، لكي نستغني عن واجبنا في الإخلاص والخضوع لمبدإ حياتي حياتك بحلوها ومرها. 
لكن ليس معنى هذا أنه مع أول رجَّة نقوم بفصل ذلك الخيط المتين، بل يجب التريث والسعي لإصلاح ما يمكن إصلاحه والتماس نوعٍ من الأعذار خيرٌ من فراقه، فتضرب عصفورين بحجر واحد، تُعَلمه معنى الصداقة الحقيقية وتُخجله من نفسه الواهية، وإلا فإننا سنعيش منعزلين ووحيدين في عالمٍ لا يحتمل الصمت، فالصداقة زهرةٌ تنبث في القلب وتتفتح في القلب وميزتها عدم الذبول إذا تم الحفاظ عليها. 
الصّداقة الحقيقيّة كالعلاقة بين العين واليد، إذا تألّمت اليد دمعت العين، وإذا دمعت العين مسحتها اليد، فلا يمكن التفريط فيها بسهولة؛ وخذ مني هذه العبارة: زمن المصالح ينتهي فتنتهي معه الرجات، فكُن صادقا تكسب صادقا، واجعل من نفسك أداةً للحفاظ لا للمسح والنسخ، هكذا ستنجح في كسب غنيمة الحياة.
 

مدونة زوايا

زوايا فريق شاب مؤلف من 10 شباب عرب مختلفي التخصصات والاهتمامات و غزيري الأفكار يجمعهم حب التدوين والرغبة في إثراء الويب العربي بمحتوى مفيد فريق زوايا ذو أفكار خلاقة وعزيمة متأهبة يعدكم بمحتوى مدوناتيٍّ أقل ما يقال عنه أنه استثنائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *