أزمة جمهور ذواق .. ونجاح أعمال لا ترتبط بالفن

عندما نتحدث عن الفن، فنحن نتحدث عن ذلك النشاط الإبداعي الذي يعطينا إحساسا جماليا، باعتبارنا متلقين، من خلال المواد الفنية المنتجة من قبل فنان، وهو بدوره يستمتع بإبداعاته أثناء تقديمها للجمهور؛ وبالتالي فليس كل ما يُنتَج فنا، لأن ليس كلُّ من ينتِج فنانا. 
إننا أمام إشكالية فلسفية واجتماعية بامتياز، في ظل تسمية ووصف عدة أشخاص بفنانين. أصبحنا نجد في الغناء أشخاصا ينتجون أغاني دون المستوى ودون أي معنى، أو بالأحرى معان تتنافى مع سمات الشخص المبدع. كما أننا أصبحنا نجد في مجال الكوميديا بعض المواضيع دون المستوى، وأقصد بذلك سمات الموضوع، بغض النظر عن أداء وأسلوب الشخص الذي يقدم إنتاجه، لأن الأداء والأسلوب يتحسنان مع الوقت بالنسبة للفنان المبدع.
إن المشكل الكبير يرتبط بنجاح تلك الأعمال التي لاتتصف ولا ترتبط بالفن، لا من قريب ولا من بعيد، وعلى الرغم من ذلك فهي ناجحة، وتحظى باهتمام كبير. وعندما نتحدث عن نجاح عمل فني ما، فنحن نتحدث عن المتلقي، لأنه هو من أُعجب بتلك الأعمال، رغم تدنيها شكلا ومضمونا.
إذن فالمشكل الرئيسي مرتبط بأزمة الجمهور صاحب الذوق الرفيع، الجمهور الذي يميز بين الفن والخبث، وبين الإبداع والتقليد، وبين الفنان وغير الفنان. فنجاح عدة أعمال تسمى بفنية، يعود إلى الجمهور الذي يرتبط بخلفياته المرجعية التي تملي عليه معاييرَ وصفاتِ وشكلَ ما يمتعه ويعجبه، من خلال مواضيع بعض الأغاني التي يظل مرددا طوال النهار لكلماتها، فيدفعه إعجابه بموضوع الأغنية إلى البحث عن مغنيها، فيبدأ هذا النوع من الجمهور بالبحث على كل الأغاني التي ألفها “الشخص” الذي يسمونه فنانا، لأنه قدم أغنية، فيتحول من مغمور إلى مشهور.
وعلى النقيض من ذلك نجد الفنان المبدع، الخالص، ذو الفكر الفلسفي الناضج، والأسلوب الراقي من خلال إبداعاته. إنه الفنان الذي ينتج الفن من أجل الفن، ينتج الفن لكي يستمتع، ويُمتع معه جمهوره الذواق صاحب العين الناقدة، العين التي لا يعجبها كل شيء، والأذن التي لا تتلذذ إلا بسماع كلمات موزونة ومتراصة أخلاقيا وإيقاعيا. فتنسجم أحاسيسه مع فكره، متأملا في إنتاجات الفنان المبدع. فهو جمهور لايذهب مع رياح بقية الجماهير التي تتطبع على ذوق الأغلبية. وعلى الرغم من قلته، فهو يظل السند الوحيد لكل فنان مبدع، يمكنك مشاهدة أو سماع إبداعاته مع عائلتك أو أصدقائك.
ومما لاشك فيه، إن سبب اختلاف الأذواق بين الفئة الأولى والثانية، يعود إلى عوامل فكرية ونفسية وثقافية بالدرجة الأولى، واجتماعية بالدرجة الثانية، لأن الفكر الفردي قد لا يتأثر بالفكر الجماعي إذا كان ناقدا، مميزا بين الإيجابي والسلبي، وواثقا بذاته. أما إذا كان العكس، فإن الفرد نتاج المجتمع حتى في ذوقه، فيسير وفق ما يعجب الجماعة، لاسيما في جماعةٍ لا تفرقُ حتى بين أبسط الأشياء، فتكون بذلك سببا في تكاثر من يصدقون فعلا أنهم فنانون.
 

مدونة زوايا

زوايا فريق شاب مؤلف من 10 شباب عرب مختلفي التخصصات والاهتمامات و غزيري الأفكار يجمعهم حب التدوين والرغبة في إثراء الويب العربي بمحتوى مفيد فريق زوايا ذو أفكار خلاقة وعزيمة متأهبة يعدكم بمحتوى مدوناتيٍّ أقل ما يقال عنه أنه استثنائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *