اذكُريني

جلسَ الشيخ بجانب حفيده، واضعاً يده المجعّدة على رأسه، فإذا بدمعة سارقة تنزل من عين العجوز على خد الطفل، فينهض الطفل مستغربا من مصدر تلك الدمعة. 
كانت أول مرة يرى جده يبكي، وهو الذي حمل همّاً ثقله كثقل الجبال ولم يشاهده مرة قلقا فكيف له أن يبكي. حينها تذكّر الطفل وفاة جدته الذي لم يمر عليه سوى أسبوعين، فيمسح دمعته بلطف على وجهه البئيس، دون أن يسأله، فمن عينيه يمكن لك أن تعرف ما بحاله؛ يتحسر على فراقها، وهو الذي كان إيمانه سلاحا يتغلب به دائما على مصائبه، لكن هذه المرة يبكي على جرح سبّبه غيابها، لا يمكن لأي دواء أن يشفيه. 
بعد ذلك يقوم العجوز بحمل وشاح كان على جانبه. ومن الواضح أنه يعود لزوجته الراحلة، يلفّه حول عنقه، ثم يقول يا بني ربما قد تكون أنت الوحيد الذي يسمع كلامي و يحس بي. ربما لكون البراءة تغمر قلبك، ومن خلالها قد تحس بما أحس، يا بني إن جدتك كانت أقوى انتصاراتي، أنيسة وحدتي، رفيقة دربي ونور حياتي، كنتُ لها سندا وكانت لي امرأة بألف رجل، كانت تدفئني بكلامها وتنعشني بروحها. 
جدتك لم تكن كباقي النساء، لم تلُمني قط على أخطائي، فكان صمتها عند غضبها يرهقني، لم تكن تجرح قلبي ولو بكلمة، وتحاول إسعادي بأبسط الأشياء، وهي لم تكن تعلم أن سعادتي تكمن في رؤية وجهها الجميل، أحس بذهاب روحي مع ذهابها. رحيلها كان بمثابة فراغ في قلبي، فلو اجتمعت نساء الكون لما استطعنا ملأه، وجدّتك لم تكن فاتنة الجمال ولا من حسنوات القبيلة،لكنها كانت تتميز بجمال لا يمكن تشبيهه بأي جمال. هي التي علمتني القراءة، وهي التي شجعتني على حفظ القرآن، وكأنها كانت تودّ أن تكون لنا حياة أخرى معا في جنات الخلد لقد كانت علاقتنا روحانية، ثم يجهش بالبكاء فيظل صامتا، ثم يهمس بصوت مبحوح ومنكسر: إني أبكي لاني لا أجد لحالي ملجأ بعد الله سواها ،فما تبقى من حياتي سيكون تخليدا لذكراها ولا يمكن لي أن أنساها، يابني ما قد أنصحك به هو أن تقضي حياتك مع شريكة تخاف الله فيك ،و تخاف الله فيها ، فحينها ستعيشان سعادة لا يمكن وصفها تحس فيها أن روحك كانت ناقصة بدونها،. فاطمة؛ إن العين لتدمع لفراقك وإن كل يوما يمر لا أنسى فيه ذكراك، وإني لفي الجنة سألقاك..
 

خديجة عبد الجبار

طالبة جامعية ومدونة خواطر