مجزرة مُسلِمي نيوزيلاندا .. إلى متى تستمر ازدواجية المواقف؟

تظاهرات طلابية حاشدة بمختلف شوارع المدن الاوروبية كما شوارع نيوزيلاندا، شعارات تطالب بتظافر جهود الحكومات لإنقاذ الكوكب من تغير المناخ، غير بعيدٍ من المتظاهرين صوت رصاصٍ متكرر لهجوم إرهابي على مصلين مسلمين بمسجدين بمدينة “كرايست تشيرتش” النيوزيلندية.
ظاهرتان تاريخيتان مهدِّدتان لوجود الإنسان تجتمعان في مكان وزمان واحد، “الإرهاب” و”تغير المناخ”، ومنفذ الهجوم لم يختر هذا الزمكان إلا ومعه رسالة حاولَ إيصالها للعالم.
على مر التاريخ المعاصر ربط الغربي تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، الإرهاب الذي ظهر أول مرة في تاريخ البشرية على يد جماعة “السيكاري” اليهودية. 
وبعد التفجير “المسرحي” الذي تعرض له المركز التجاري العالمي بنيويورك ووزارة الدفاع الأمريكية في 11 سبتمبر 2001، المتهم الأول كان تنظيم القاعدة وقائدها أسامة بن لادن آنذاك. 
هذا الهجوم كان بدايةً لتزايد خطابات وممارسات الكراهية والتعصب والعنصرية ضد المسلمين عبر العالم، ليصبح لقب “إرهابي” لصيقاً ب “مسلم” عند بعض الغربيين؛ “أنت مسلم إذن أنت إرهابي”، متناسين أنّ الإسلام دينٌ كباقي الأديان السماوية إنَّما وُجِد لنشر السلام والرحمة بين الناس، وغيرَ هذه السلوكيات من العنف والبُغض تُرجع للشخص ذاته لا لأنه مسلم أو يؤمن بدين من الديانات. 
في محاولة للبحث عن معنى لمفهوم الإرهاب تكاد لا تجد له تعريفا محددا، نظرا لتقاطعه مع الديني؛ السياسي؛ القانوني والاجتماعي، لكن التعريف المتداول هو ان “الإرهاب نشرٌ للرعبِ والخوف في نفوس الناس، من طرف جهات لها مآرب معينة تتوخى تحقيقها باستخدام لغة العنف والسلاح ضد من يتجاوزون أو يخالفون توجهاتها وقناعاتها”. 
إن الهجوم الإرهابي الذي تعرض له المسلمون اليوم 15 مارس 2019 بمسجدين بنيوزيلاندا بوابل رصاص من بندقية مواطن أسترالي ينتمي لليمين المتطرف كما جاء على لسان رئيسة الوزراء النيوزيلندية، قد يكون خروجا عن المألوف لما تعودت عليه آذان الغربي والمسلم ذاته حين الإعلان وتغطية أي هجوم إرهابي، هذه المرة مسلمون يتعرضون لجرم إرهابي أثناء آدائهم لإحدى شعائرهم الدينية بسلام. 
هذا الحدث الدموي يجعلنا نقف ونتساءل، هل هذا الجرم الإرهابي يشير إلى بداية لمجازر أخرى ضد المسلمين في الديمقراطيات الغربية؟ أم ستكون هذه المجزرة الدموية التي راح ضحيتها عشرات المسلمين كفيلة ًبتغيير نظرة الغربي اتجاه المسلم والاعتراف أنه كباقي الأجناس البشرية والدينية مهددٌ في كل الأوقات بهجوم إرهابي داخل دول ليست لها خلفيات إسلامية؟ هل سيعلن العالم الغربي أن الإرهاب لا دين ولا وطن له بل هو جرم ضد الإنسانية تختلف أسبابه ومرجعياته ومنفذيه ومواقعه؟ أم أن هذه المجزرة ستكون دريعة لإغلاق المساجد بالدول الغربية بدعوى أن المسلمون معرضون للخطر؟ 
أودّ الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن التغطية الإعلامية الدولية للمجزرة الإرهابية كانت “محتشمة وعابرة” بل وتجاوزت وصف الجُرم “بالإرهابي” واكتفت كثيرا بترديد عبارة “هجوم” أو “اعتداء”. ولم تُولِ أهمية كبيرة للحدث في البحث عن أسبابه والوقوف عند تفاصيله كما في الهجوم الذي نفذه “شريف شيكات” بسوق الميلاد بستراسبورغ الفرنسية في 11 دجنبر 2018، الذي تم قتله بعد أيام قليلة، أم أن ضرورة البحث في الحدث وتوجيه “تهمة إرهابي” تقتضي أن يكون المنفذ مسلما! الإعلامُ، هنا يعد شريكا بل ومروجا أساسيا في إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين بل وفي التحريض والحمل على العنصرية ضد المسلمين في العالم. 
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعترف بحق كل إنسان بالتمتع بالحقوق والحريات دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين [..] فأي ضمانات وضعها المنتظم الدولي لحماية هذه الحقوق والحريات؟ الواقع لا وجود لأي ضمانات عندما يتعلق الأمر بالدم واللغة والجنس ودين المسلم. 
الإسلاموفوبيا إذن في ذروته مع استمرار تصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة وإمساكها زمام القيادة في كبريات الدول الغربية وتحريضها على معاداة الإسلام تزيد الوضع حدّة. ولعل النموذج الأخطر هو الرئيس الأمريكي الذي يبغض المسلمين والمهاجرين عموما ويوجه خطابات كراهية وعنصرية ضدهم، “برينتون” اتخذه اليوم قدوة لتنفيذ مجزرة “نور”، ترامب لم يكلف نفسه بل اكتفى بتغريدة تعزية للنيوزيلانديين لا للمسلمين. 
هذا الحدث الرهيب يعيدنا إلى عقود خلت، إلى محرقة “اليهود” بأوروبا، فمجزرة مسلمي نيوزيلاندا 15 مارس 2019، هي إشارة خطيرة للعالم أجمع وخاصة العالم الإسلامي، الذي لم تكلف حكوماته ورؤساءه عناءً سوى الاكتفاء بعبارات التعزية والاستنكار على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، المسلم في الدول الغربية يعيش الاضطهاد وهذا الحدث الدامي فضح الكثير، فهل ستسمر السياسات الدولية في تجاهل هذه الأحداث التي يكون ضحاياها مسلمون أو مهاجرون من دول مستضعفة في ظل وجود مواثيق وعقوبات دولية لكل من يرتكب مجازر بسبب الدين أو العرق؟ برينتون أجلت محاكمته إلى الشهر المقبل. 
وأمام استمرار الصمت الدولي الرهيب واللامبالاة في اتخاذ إجراءات حازمة وواقعية لمواجهة القضايا المهددة للإنسان والإنسانية على اختلاف الانتماءات الدينية أو العرقية، واستمرار الإعلام وبعض السياسيين في تغذية الاسلاموفوبيا المتنامية والكراهية في الغرب، وإفلات المروجين للتعصب من العقاب في الديمقراطيات الغربية سينجم عنه لا محالة مجازر دامية أخرى أكثر خطورة سيكون من بين ضحاياها المزيد من المسلمين.