الهجرة السرية

تطلع نحو المجهول

الهجرة حلم يدغدغ خيال معظم شباب العرب الذين يرغبون في تحقيق الذات وخوض غمار الاغتراب بحلُوه ومُره، و هي المنفذ لجعل الأحلام حقائق، حيث تنحل كل القيود والأغلال بفضل الحرية التي تضرب العادات والتقاليد عرض الحائط وتنبذ الدين وما جاوره وتعتنق الهوى مذهباً.

إن المهاجر يرى على أن بلاده مشلولة شللا رباعيا ليس بإمكانها تحسين معيشة مواطنيها وسد الخلل الذي يشعرون به جراء ازدياد عدد السكان وقلة الإنتاج الوطني وتردي الظروف الإقتصادية مما ينتج عنه ارتفاع في معدلات البطالة بين الشباب وندرةفي فرص العمل، ليس بإمكاننا لوم المهاجر لأنه النتيجة وليس السبب، إنه المدفوع وليس الدافع.

إن الصعاب الملقاة على عاتق شباب دول الجنوب وخصوصا آسيا وإفريقيا لهي أكبر من أن توصف:
-المجتمع الذي ينظر نظرة تشي بالنقص والدونية لكل من خانته الظروف وجعلته عاطلا.
-نفسية المهاجر إزاء أوضاعه المزرية و الشعور على أنه عالة على ذويه لا ينفع و لا يضر.
– اقتصاد البلاد الذي هو متردي كالعجوز لا يجود إلا لفئة قليلة من المجتمع ” كالنبلاء” و يترك أبناء الشعب لرحمة ربهم.

تلعب الآلة الإعلامية دورها بإتقان ملفت للنظر في تزيين الغرب من كل النواحي وكأنه “العسل المصفى” لا تشوبه شائبة، فينبهر الشاب أيما انبهار “بأخلاقيات الغرب” ومبادئه السامية وفي استراتيجيته التي ترتكز على الحرية والمساواة والأخوة ..إلخ

فينقاد وراء الإعلام كمن مسه الجن ويثق بكل ما يُبث حول عالم الغرب وما شابهه، فيعزم على السير نحو هذه الجنة التي تبث في القنوات فيحقق فيها الأحلام ويعيش مع الحور العين ذوات العينين الزرقاوين.

فبسبب الإعلام الكاذب الذي يقبّح الجميل ويزين القبيح حسب هواه في عين الرائي، تستند رؤية الشاب الحالم بالهجرة بما بثه التلفزيون وبما روّجته وسائل الإعلام، فيتخلى عن بلده وعن والديه وعن مجتمعه فيكابد من الصعاب ما يكابده من أجل المجهول الذي ينتظره “جنة الأرض” فيعيش عيشة الذل والمهانة خلال رحلته المشؤومة على يد المهربين، فيصبح كسلعة تباع وتشترى بواسطة شبكات مافاوية عالمية تصل أرباحها إلى 4,4 مليار دولار من خلال عمليات تهريب البشر أو “الإتجار بالبشر ” فيلقون بين البضائع أو في مؤخرة السيارات أو معلبين داخل صناديق كأنهم أمتعة، ناهيك عن الخوف الذي يكاد يقتل البعض علاوة على آلام الجوع والعطش الشديدين.

يصف لنا الكاتب جمال عمر عن هجرته السرية من مصر نحو أمريكا فيقول :{..فكان في انتظارنا أمام البيت، سيارة نصف نقل من سيارات التبريد التي تنقل الأغذية المبردة، وعلينا أن ندخل داخل هذه الثلاجة..} ويحكي عن مسيره من جواتيمالا إلى المكسيك فيقول :{ توجهنا ناحية الشاطئ.. وجدنا مركب صغير “فلوكة” بها رجل واحد ركبنا و انطلق المركب الصغير إلى داخل الماء }و يقول أيضا :{ تدق نبضات قلبي بسرعة عالية من الهرولة و التعب، والخوف من المجهول، فلقد مرت فترة قصيرة، طويلة، لا أعرف كيف أقيسها }.

إن ما يعانيه المهاجرون في ديار المهجر من عنصرية وظلم واللامساواة بين حقوق المواطن الأصلي والمهاجر الأجنبي لهي أصعب من أن تسكب عن طريق الألفاظ والعبارات، يعيش المهاجر حياة الإزدراء والسخرية سواء من طرف السلطات الأمنية أو المجتمع الغربي أو التيارات والأحزاب السياسية التي تعتبر المهاجر دخيلا غير مرغوب فيه، محتلا ومستغلا لخيرات البلاد وثرواتها ومنافسا على فرص الشغل التي هي من حق أصحاب البلاد (كما يدعون).

و من أهم التيارات السياسية المعادية للإسلام والمسلمين في أوروبا نجد اليمين المتطرف حيث يصف الكاتب سعيد اللاوندي عنصرية هذا التيار فيقول :{ اليمين كما تقول أدبياته ويحفظها المهاجرون عن ظهر قلب يرفض الوجود الأجنبي شكلا وموضوعاً، ويدعو إلى طرد كل المهاجرين اليوم قبل الغد وإعادتهم عنوة إذا لزم الأمر إلى أوطانهم الأم غير مأسوف عليهم }.

ففي فرنسا تردد الجبهة الوطنية لليمين المتطرف شعار: “فرنسا للفرنسيين”..إنه دليل واضح يكشف الستار ويبين الحقيقة التي تستر عنها الإعلام، إن المهاجر يعيش كالمنبوذ وسط المجتمع الأوروبي الذي يتوجس منه خيفة ورعباً فيطلق عليه لقب المتخلف تارة والإرهابي تارة أخرى، ناهيك عن الإضطهاد الذي يعانيه كل من التزم بدينه وصان نفسه وارتدى الحجاب فهو فريسة لكل متطرف وما يحصده من سب و لعن أكبر من أن يحصى.
إننا خلقنا لنكافح ونعمل بجدٍ وعزمٍ بغض النظر عن الظروف والأوضاع المتردية، أما الفرار من المعركة فهو أسهل قرار.


المصادر :
– رواية “تسلل مهاجر غير شرعي إلى أمريكا” جمال عمر
– كتاب “الهجرة غير الشرعية” سعيد اللاوندي
– كتاب “الهجرة غير المشروعة(الضرورة و الحاجة)”حمدي شعبان.

الهجرة السرية

فاطمة الزهراء عابيدي

ممرضة متدربة بمدينة العيون، 20 سنة، عاشقة للتدوين وشغوفة بالقراءة العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *