الاحتجاجات الشعبية بين الافتراضي والواقع

من كان يظن أن مواقع التواصل الاجتماعي هي فقط منصات وغرف للدردشة وغير فعالة فَعَليهِ مراجعة هذه الفكرة، فقد أصبحت تلك المنصات تلعب دورا كبيرا في توجيه الرأي العام، بل والتحكمَ في زمام الأمور، وانتقلت من دورها السابق ليُطلَق عليها اسم الإعلام الجماهيري أو إعلام المواطن أو صحافة المواطن، كما يحلو لبعض الناشطين تسميتها. كما أنها أصبحت صوت الأغلبية الصامتة وصوت الغيرة على الوطن، في ظل غياب دور القنوات التلفزيونيه العموميه والجرائد والمنابر التي تتسارع فقط لنشر الفضائح وأخبار الفنانين وإتقان الركوب على الأمواج ،لكسب أرباح مادية، طبعا مع بقاء بعض المنابر المعدودة على رؤوس الأصابع بجانب الأصوات الحرة في عدة قضايا سياسية و إنسانية. 
وقد ارتبطت مواقع التواصل الاجتماعي بالإعلام الجديد وهو مفهومٌ في طور التشكل وقد أخذ أسماءً عديدة مثل الإعلام البديل والإعلام الاجتماعي والتفاعلي، ويعتبر هذا الأخير نتاج لمجموعة من الطفرات والتغيرات التكنولوجية على رأسها تطور تكنولوجيا الإتصال. 
كما يمكن اعتباره ثورةً معلوماتية إعلامية جديدة؛ إذ هو مفهوم ظهر على الساحة ويُقصد به الإعلام الذي يتم ممارسته من خلال الفيسبوك وتويتر وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي البعيد عن التليفزيون والمذياع و الصحافة، الإعلام الذي أصبح كل واحد منا له دور كبير فيه، علاوة على تأثيره في الرأي العام بصورة أكبر وسرعةُ انتشاره وانتقاله عبر الحدود وبدون رقابة، والأهم من ذلك أنه بقيَ أداةً مؤثرةً على الإعلام التقليدي نفسه ومصدرا من مصادر المعلومة لدى مجموعة من المنابر الاعلامية والصحف وغيرها. 
فاليوم أصبحت المنافسة تشتد بين مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها إعلاما جديدا وبديلا ،غريمُه التقليدي القنوات العمومية والصحف، بل وتجاوزتِ الصراع لتؤثر عليه وعبره كقوة ضاغطة على بعض القرارات الصادرة عن الحكومة أو الهيئات السياسية، نَذْكُر هنا مجموعة من الحملات التي أُطلِقت على الفايسبوك لتتجسد على أرض الواقع وتُعطي نتائج مُرْضية، أو على الأقل حلولا ترقيعية. 
ومن بين هذه الحملات التي أعطت ثمارها نذكر حملة “زيرو كريساج” حيث تجاوبت السلطات المعنية مع الحملة وكذلك حملة التبرع بالدم التي لقيت كذلك تجاوبا كبيرا وإقبالا واسعا منقطع النظير على مراكز تحاقن الدم، وبعد فاجعة بوقنادل التي أبانت عن عُلُو كعْب أبناء هذا الوطن من خلال موقع التواصل الإجتماعي “فايسبوك” ومن خلال إطلاق حملة “الكوفواتيراج” لمساعدة الشباب العالقين في المحطات وخاصة منهم الطلبة في المدن المجاورة لمكان الحادث ومساعدة المعطوبين ودقِّ ناقوس الخطر للتبرع بالدم، وما هي إلا ساعات معدودة حتى إمتلأت مراكز تحاقن الدم بالرباط وغيرِها من المدن المجاورة، ناهيك عن المساعدات الإنسانية التي انطلقت من الإفتراضي لتتجسد على الواقع. 
دون أن ننسى تأثير الحملات الاعلامية على الاحتجاجات الشعبية وعلاقة هذه الأخيرة بالعالم الافتراضي، حيث أن أغلب الحركات الاحتجاجية انطلقت من الفضاءات الاجتماعية ومنصات التواصل الإجتماعي، ونذكر هنا حِراك 20 فبراير الذي وجد تربة خِصبة في “الفايسبوك” قبل أن يخرج للواقع ويرفع مطالبَ اجتماعية واقتصادية مُتأثرا برياح هبَّت من الشرق الأوسط، عبر تدوينات نشطاء ومشاهد حصرية من ثورات الربيع العربي بتونس ومصر نموذجا، فتبلور مفهوم الاحتجاج بين الواقع والافتراضي مع دعوات نشطاء حقوقيين إنطلاقا من الفضاء الإفتراضي للحضور لتجسيد نضالات شعبية داخل الساحات، ليستمر مع حراك الريف والدور الكبير الذي قام به في التعريف بهذا الأخيرمن الألف إلى الياء، فَحِراك زاكورة وصولا إلى حراك جرادة، فَتَوَلَّد لدى المواطن مرةً اخرى وعي سياسي احتجاجي من التعبير في الساحات إلى المنصات. 
هذا التغيير ناتج عن عدة معيقات أمام الحركة الإحتجاجية بالمغرب كسياسة الترهيب والمقاربة الأمنية التي باتت تنهجها الدولة في ردع كل التظاهرات والاحتجاجات، علاوة على البحث عن أشكال جديدة في التظاهرات والإبداع في الاحتجاج السلمي بوسائل سهلة وغير مكلفة، والأهم انها متاحة للجميع. 
هذا الوعي تكلل بالتحام الشعب الفايسبوكي وانخراطه مرة أخرى وبشكل سريع في حملة وطنية لمقاطعة منتجات ثلاث شركات كبرى مُحتكرةٍ للسوق في غياب منافسة شريفة، وضد الجشع والاحتكار والغلاء في الأسعار الأمرُ الذي مس بكرامة المواطن المغربي، وهذه المنتجات هي شركة سنطرال دانون للحليب ومشتقاته وشركة أفريقيا غاز للمحروقات ووقود الغاز لمجموعة “أكوا” التي يمتلكها الملياردير ووزير الفلاحة المغربي عزيز أخنوش وشركة والماس للمياه المعدنية التي تسوقها شركة هولمركوم. 
و لم تستغرق الدعاية الاعلامية لهاته الحملة مدة طويلة حتى انتشرت وتجسدت بشكل راقٍ وحضاري، عبَّر عنه المواطنون كلٌْ في مجاله، منهم كوميديون انخرطوا في الحملة بأشرطةٍ مصورة عبر منصات التواصل الاجتماعي وكذلك مقاطع موسيقية وحوارات ثنائية، الأمر الذي أكسَبها صبغة شعبية يتغنى بها الصغير قبل الكبير في ربوع الوطن الجريح، فقد اتخذت لها ثلاث شعارات: بالنسبة للحليب “خليه يريب” و “الماء ديال الله” إلى آخره من الشعارات التي تضرب في الوتر الحساس لعموم المواطنين 
إذن لم يعد الفايسبوك مجرد موقع تواصل ولا عاد تويتر مجرد منصة للتدوين المصغر، بل أصبح الاثنان ذوا مكانة إعلامية مهمة مؤثرة في الشعوب، بل وحتى الساسة الذين بدؤوا ينتبهون مؤخرا لأهمية السلطة الرابعة في نسختها الرقمية.

 

أسامة باجي

أسامة باجي صحفي مهتم بالشأن السياسي والثقافي باحث في الإعلام والتواصل مدون وكاتب رأي