ملف تائه

العنف ضد المرأة إلى أين ؟

ليس ملفي، لكنه سيروى على لساني، ملف امرأة يمكن أن تكون بعمر الأربعين أو أكثر قليلا، بدوية جميلة مرتبة مبتسمة رغم قسوة الزمن، عجبا لها وكم أعجبني طبعا، أظن أن الآلام تجمد القلوب وتجعل الابتسامة عنوانا صارخا في الوجوه ولو لم تكن مقصودة، لا أدري…

هي زوجة لزوج، ربما يكون رجلا، وإن لم يكن رجلا سيكون ذكرا، أم لخمسة أطفال، كل طفل له معاناته، إما ضعف في السمع، أو تعثر في النطق، وإما عقد نفسية!

كل ذلك ناتج عن معاناة أليمة خلال فترة حمل الأم بكل طفل منهم…
زوجة منحتها الحياة من القسوة كل أنواعها، تعنيف زوجي جسدي ولفظي، فقر، وتهميش، توبيخ، وكسور، جروح، ومستشفيات، شرطة، وتصالح، صبر واستمرار…

زوجة تروي كل مأساتها مع زوج متحجر القلب، بلسان بئيس ورغم ذلك متفاءل، تزوجت في عمر الزهور من زوج كان إلى حد ما قبل الزواج يعد فردا من أفراد العائلة، لكنه بعد الزواج أصبح شخصا غريبا عن العائلة وغريب الأطوار أيضا، كيف لشخص أن يفكر في الزواج وإنشاء أسرة، ويقوم بجلب عروسة لعش ينقض فبل بناءه.

ما ذنبها؟ فتاة بدوية كان مبلغ همها أن تجد رجلا، وتحظى بعرس سعيد تحضره رفيقاتها وتحصل على بعض القطع من الثياب والمجوهرات تتزين بها يوم عرسها وبعده.

عرس مضى عليه 18 سنة، وها هو عريسها الآن يتوعدها بالقتل، نعم إلى درجة القتل، ذلك بعدما اعتادت على سوط ضرباته ولو يعد جسدها يستجيب لآلام ذلك السوط، سوط من دون سبب أو لأتفه الأسباب، والغريب في كل هذا أنها لازالت صامدة أمامه، منذ الشهر الرابع من زواجهما إلى غاية اليوم، وحسب قولها أن كل ذلك من أجل أولادها المسكينة ليس لها مأوى غير ذلك الجحيم.

كيف لها أن تستحمل وتصمد من أجل أولادها ، أليسوا أولاده أيضا؟
عجيب…

في يوم من الأيام رغم تشابه أيامها، وبعد عشية من الضرب والشتم بأدنى العبارات حملت حطام نفسها لدى قريبة لها، وأخذت أصغر أطفالها معها وتركت الكبار في منزل والدهم، تركتهم هناك لكي لا تثقل كاهل قريبتها، ذهبت ريثما تجد حلا لنفسها، وأي حل يمكن أن يكون لها؟

ها هي الآن أمام محامي تتلوا على مسامعه قصتها، يسألها ما هو طلبك، وتجد نفسها تائهة، اكتفت فقط بقولها: “أريد زوجا طبيعيا ينفق علي وعلى اولاده”، هل يمكن لهذا الزوج أن يصبح طبيعيا؟!
عجبا لك سيدتي، هل تستطيعين الصمود بعد كل ذلك، عجيبة أنت أيتها الأم تصمدين رغم أن جسدك لا يستطيع الصمود أكثر.

أخبرها المحامي بأن الحل لتتخلص من هذا الكابوس هو رفع دعوى الطلاق فوافقت، لكن بعد ان علمت ما ينتظرها من نفقات ومصاريف تراجعت قليلا، لم تقلها صراحة لكنني لاحظت تراجعها من خلال ملامحها، نعم فمن أين لها بذلك المبلغ كله وهي لا تملك حتى تكاليف تنقلها من بيتها إلى مكتب المحامي؟

أستمع إلى قصتها وأقول في قرارت نفسي لوأنها كانت متعلمة، لو كان لها استقلالها المادي لكانت بحال أفضل من حالها الآن، أجد أن هذا الصواب، فلو كانت كذلك لم تكن لترضى على نفسها الذل ولا على أولادها، كانت ستنتشلهم بأسنانها من المستقنع الذي يتواجدون به.

ربما الأمية هي السبب، وربما الفقر، بل ربما عدم وجود كتف تستند عليه في غياب الوالدين هو السبب، أو لعلها قلة الحظ حسب قولها، تتعد الأسباب والنتيجة واحدة، زوجة أمية بدون شهادة ولا حرفة أم لخمسة أطفال كلهم قاصرون، مع زوج يتوعدها بالقتل، حائرة لا تدري ما مرادها وما مصيرها، هل محكمة الأسرة أم روض من رياض الجنة.

ذنبها الوحيد أنها تزوجت بغبي معتوه يصف نفسه بين أقرانه على أنه رجل، شغله الشاغل هو حجز كرسي بمقهى بدوي مهترئ، وشرب كأس شاي هناك رغم أنه لا يمتلك حتى ثمنه، لكي يعود في منتصف الليل إلى بيت كان هادئا قبل قدومه، وكان يتمنى عدم عودته.

دائما ما كنت أسمع أن ليس هناك ما يبعث الراحة والأمان في قلوب الأطفال كتواجد حذاء الأب أمام الباب، لكن الأمر ليس على إطلاقه، فليس كل حذاء يبعث بالراحة والأمان…

ملف تائه

تعليق واحد

  1. هذه المرأة نموذج بسيط للمعانات التي تعيشها شريحة واسعة من النساء، بفعل النظرة القاصرة للمجتمع، وتقاعس الدولة عن أدوارها الإجتماعية، مصير هذه المرأة هو حياة تعيسة في كنف رجل يسيطر عليه الفكر الذكوري، والنتيجة أولاد يتقاسمون المعانات مع الأم، والنتيجة جيل معطوب مع الأسف.
    موضوع مهم بصياغة جميلة، كل التوفيق لك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *