التفاهة والفراغ الفكري في ظل العصر الرقمي

عن التفاهة والسلبية التي تقدمها لنا وسائل التواصل الاجتماعي -اليوتيوب نموذجا-

يمكن الجزم أن التواصل الإجتماعي باختلاف وسائله وتطبيقاته، جزء لايتجزأ من الإعلام الرقمي، الذي أفرزته التطورات السريعة التي لحقت بتكنولوجيا الإعلام، ولاننكر أن مواقع التواصل الإجتماعي تساهم في تقريب المسافات بين مؤسسات الإعلام من جهة والجمهور من جهة أخرى، كما لها مساهمة أيضا في جانب مهم هو التواصل الإفتراضي، إذ حولت العالم بأكمله الى أشبه بقرية صغيرة يتواصل من خلالها الناس باختلاف ثقافاتهم، ألوانهم، دياناتهم وبلدانهم، أي أن مواقع التواصل الإجتماعي غدت في ظل العصر الرقمي وسيلة عابرة للقارات، تعمل على إيصال الرسائل والأخبار والصور في وقت قصير، وتحظى بأهمية بالغة لدى الجماهير الشعبية التي تعتبرها كمصدر لمتابعة الجديد في شتى المجالات بتنوع مفرداتها «سياسية، اقتصادية، ثقافية.. الخ».

ولعل أهم مواقعها التي يلتف حولها سكان العالم بتنوع اهتماماتهم وميولهم ومشاربهم: نذكر اليوتيوب الذي أصبح بلامبالغة رفيق الفرد في يومياته كما أنه استولى على أهمية كبيرة في عالم الإعلام، وحسب الإحصائيات فانه يجذب حوالي ملياري مستخدم شهريا على وجه الدقة، إلا أن اليوتيوب الذي هو جزء لايتجزأ من مواقع التواصل الاجتماعي طغت عليه السلبية وتجدر بنا الإشارة إلى ما يلي: غياب الموضوعية والمصداقية في محتوايات اليوتيوب التي يتم نشرها بدون إخضاعها لا لمعايير ولا لضوابط النشر وتقديم المادة، حيث أصبح أيضا وسيلة يعمل من خلالها أصحاب الآراء الشاذة والأفكار المدمرة على تضليل وتوجيه الرأي العام.

يمكن الجزم أن اليوتيوب حيز إلكتروني لكي يستثمر فيه كل شخص أي «يوتيوبر»، إلا أن إحراز النجاح داخل هذا الحيز لايأتي بالتطفل على خصوصيات الأفراد والمتاجرة بها ولا بالانتهازية، بل يستوجب ذلك المهنية والعمل المستمر لتنمية الأفكار والقدرات والتعريف بالمفكرين والنوابغ والعلماء وبإنجازاتهم على أوسع نطاق بدلا من رميهم في صحراء الإهمال والتشهير بالحمقى والمثليين والتافهين الذين احتلوا منصة اليوتيوب «الطوندونس»، اكتسبوا الشهرة والنجومية من أعمال سخيفة كفيديوهات الفضائح (فضائح جنسية، الإعتداء على أغراض الناس….الخ) كما ان منشوراتهم تحصد ملايين المشاهدات في غضون ساعات أي أن المعيار الوحيد للشهرة في العالم الإفتراضي هو الطوندونس.

صورة تعبيرية مقتطفة من موقع www.kafapress.ma

والمثير للإستياء،، أن اليوتيوب أضحى حاليا مرتعا لنشر التفاهة والتسطيح والرداءة والمتاجرة بالأفراد، وذلك بسبب تدني الوعي الفكري والثقافي لدى الجماهير والانتهازية المتجذرة في نفسية صانعي المحتوى مما ينعكس سلبا على مكونات الثقافة الفكرية التي تسير نحو التلاشي وفي المقابل يتم تشجيع التفاهة والنكوص والرداءة والإحتقان والتنازع من طرف أفراد المجتمع نظرا لميولهم لماهو جنسي وتافه والمثير للدهشة،أن التفاهة داخل المجتمع مفتعلة يتم دعمها من طرف الحكومات والشركات التجارية من اجل ٱستحمار الشعب وقتل الذائقة وإهمال المفكرين من أجل السيطرة على المجتمع في ما يخدم مصالحهم وتكديس الثروات والأموال.

والمثير للاستياء ايضا، أن موقع اليوتيوب الذي كان من المفروض أن يكون موقعا لتبادل الأفكار الإيجابية والمتنورة التي تأتي بالفائدة للإنسان من أجل التقدم لمواكبة العالم والسير بخطى ثابتة نحو التقدم والرقي، أصبح الآن مستنقعا للإسترزاق والتعايش من تمثيليات رديئة المحتوى واللهث وراء الفضائح…

إن اختزال الهدف من مواقع التواصل الاجتماعي بالجري وراء جني أرباح مالية من خلال المشاهدات، الشيء الذي يعتبر تهديدا للتماسك المجتمعي المبني على الأخلاق والقيم،علاواة على أن هذه التفاهة الطاغية ضربت بعمق أمن واستقرار المجتمع وجعلت هذا الأخير يعود سنين الى الوراء ويتخبط في ظلمات التخلف والجهل.

وفي الأخير، يمكن القول أن الكل مسؤول عن الميوعة والرداءة التي تطال الحياة الشخصية للأفراد، وعلى القائمين على الأمن الاجتماعي والقيمي محاربة هذه الظاهرة المفتعلة، إلا أن هذه الجهود تبدو ضعيفة لأن الداء متجذر في الطبيب الذي من المفترض أن يقدم الدواء.

التفاهة والفراغ الفكري في ظل العصر الرقمي

يوسف أسونا

استاذ باحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *