لماذا يجب أن نتوقف عن إنجاب الأطفال

أطفال اليوم هم شباب الغد، هم أمل البلاد وحملة المشعل. أطفال اليوم هم نور يضيء سماء المستقبل .. هذا تعريف صحيح لا يختلف فيه اثنان، لكنه تعريف مليء بالأمل، تعريف حالم قد يصطدم بالواقع في أية لحظة لينزف بدماء من الألم الذي جاء نتيجة وفرة الأمل.
وطننا العربي الآن – ومنذ سنين خلت – يعاني من شتى مظاهر الرّجعية المتمظهرة في الفكر قبل أي شيء آخر، يعاني من خدوش في أنظمة أدّت إلى ظهور حالة انفصام حادة في الأفكار والآراء والتّوجهات، سكيزوفرينيا المنطق واللّامنطق. وطننا العربيّ ينزف ولا قدرة له على العطاء ما لم تضمّد جراحه ويعاد النظر في تركيبته. وطننا العربيّ بحاجة ماسة لأن يلملم شتاته. وللحد من تكاثر هذه المظاهر وغيرها، وجب التفكير بشكل جدي في اتخاذ أساليب وقائية توقف هذه الحالة الهستيرية الذي أصبح يعاني منها صغيرنا قبل كبيرنا، قبل أن تودي بالكل إلى حيث لا رجعة ولا سبيل للوصول، إلى طريق مسدود يستحيل المضيّ فيه كما تصعب العودة بشكل سالم وآمن. وحتى تضمّد جروح الوطن، وجب التوقّف لبرهة من أجل إعادة النظر في تركيبة المجتمعات ككل واستدراك ما نستطيع استدراكه، فقد أهدرنا من الوقت ما يكفي.
فلنتوقف إذن عن إنجاب الأطفال .. حتى لا تتكاثر مظاهر العنف بشتى أنواعه و أساليبه، والتي ورثناها عن مجتمعاتنا حتى صارت جزءا من طقوسنا .. حتى لا ينشَأ جيل من الأفراد غير المستقرين نفسيا بسبب مشاكل أسرية وأخرى راجعة لثقافة المجتمعات .. حتى لا تضطر الأجيال القادمة إلى دفع ثمن حروب – بمختلف أنواعها – ليس لها يد في نشوبها .. حتى لا يعايِش أطفالنا مظاهر اللّاحب التي تغزو مجتمعاتنا .. حتى لا يولد أطفال في بيئة هشة، سواء ماديا أو معنويا .. حتى لا يكبر آخرون في أوطان تغتصب أبسط حقوقهم وتوهمهم بأنها تفعل الكثير من أجلهم فتتوقع منهم أن يكونوا لها ممتنين .. حتى لا يولد أطفال ليجدوا أنفسهم في مجتمعات لا تحترم اختلافاتهم الدينية والعرقية وحتى الإيديولوجية .. وحتى نحدّ من الآلام ومن الآمال المرتطمة بواقع لا يسمح بالتكاثر .. 
لقد وجب إصلاح ما يجب إصلاحه قبل التفكير في إنجاب الأطفال والزّجِّ بهم في متاهة لا أول لها أو آخر دون ذنب يذكر .. لقد وجب الحدّ من أنانيتنا في الحصول على خلَف لنا مقابل ألا نساهم في تكاثر أشياء وجب دفنها منذ زمن .. فلْنُمنطق الأشياء بعيدا عن أية مرجعيات وإيديولوجيات، ولنتخلى عن أنانيتنا المتمثلة في رغبتنا في أن نصير أمهات وآباء في ظروف لا تسمح بذلك .
عزيزي القارئ، هل عرفت الآن لماذا يجب أن نتوقف عن إنجاب الأطفال؟ بوصولك إلى هذه المرحلة من قراءة المقال، تكون قد عرفت حتما لم، لذا أودّ أن أخبرك أنه مهما بدا لك كل ما ذكر مجرد أسباب غير عملية حتى نتوقف عن إنجاب الأطفال، إلا أنه يوجد من الأسباب والدوافع (ما خفي منها وما ظهر) ما يحتّم علينا أن نفكر جديا في الأمر ..
 

أمل بنجدو

مهندسة دولة وعضو فريق زوايا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *