المساواة والحرية بين حاضر وماضي

لعل أكثر القيم الإنسانية التي تُطرح حولها العديد من التساؤلات هما الحرية والمساواة، باعتبارهما أسمى القيم التي نطمح إليها جميعا، ونعتقد أن بتحققهما سوف تتحقق الإنسانية في أرقى تجلياتها. لكن، كيف لنا أن ننشد المساواة في ظل مجتمعات تحكمها العنصرية والتعصب سواء على المستوى الديني أو القومي أو الاجتماعي أو العرقي؟ وكيف لنا أن نقرر بأننا نؤمن ونتمتع بالحريات في حين أن معظم قراراتنا نتخذها تحت مبدإ – مجبر أخوك لا بطل-؟ 
فالمساواة بمفهومها الشامل تعني أن يتساوى جميع البشر في الحقوق وكذا الوجبات دون التحيز لا لعرق ولا دين، أي أن يعَامل كل شخص على أنه إنسان خُلق ليعيش مساويا لأخيه الإنسان بدون تفريق أو تمييز أو تفاوت ،كما قال صلى الله عليه وسلم – لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا ابيض و لا اسود إلا بالتقوى- فلو طبقنا ما تنصُّ عليه تعاليم الشريعة الإسلامية بكل حذافيرها لحققنا بالفعل ما كان ولازال العالم يطمح له من مبادئ وقيم سامية. يستحضرني هنا قول الكاتب علي عزت بيجوفيتش من كتاب الإسلام بين الشرق والغرب -إن المساواة و الإخاء بين الناس ممكن فقط إذا كان الإنسان مخلوقا لله، فالمساواة الإنسانية خصوصية أخلاقية و ليست حقيقة طبيعية أو مادية أو عقلية -. أي أن المساواة تتحقق فقط إذا انطلقنا من مبدإ الجانب الروحي-الديني- للإنسان، باعتباره أهم شيء فيه وبهذا فالمساواة ممكن أن تتحقق حسب علي عزت إذا آمنا بأن الإنسان مخلوق لله وأنه مزيج من كل ما هو مادي وروحي، غير أن قيمته الروحية أهم ما يميزه و التي لا يمكن أن تخضع بأي شكل من الأشكال إلى التمييز، وهو ما يخول له بأن يتمتع بكل حقوقه في المساواة .. 
أما في ما يخص الحرية، فقد جاء الإسلام ليقر بحرية الفرد كما قال الفاروق رضي الله عنه – متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا- لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل بالفعل أصبحنا أحرار؟ هل نتمتع بكامل حقوقنا في الحرية؟ أم أننا لازلنا مستعبدين؟ أو بالأحرى أصبحنا مستعبدين بما هو أدهى مما كان عليه الناس سابقا، فليس هناك أخطر من أن نصبح أمة مستعبدة فكريا .. 
الحرية في عصرنا الحالي لم تعد مطلبا، بقدر ما أصبحت حاجة ملحة نفتقدها جميعا. فمن منا لم يصبح مستعبدا من قِبل وسائل التواصل الاجتماعي مثلا؟ بل من منا لم يتخذ – ولو على الأقل مرة واحدة – قرارا مصيريا كان مجبرا على اتخاذه لأنه خياره الوحيد؟ بل هل توجد دولة من الدول – العربية خاصة- تتخذ قرارات مصيرية تخص شعبا برمته دون تدخلٍّ ما من طرف ثالث؟ 
فالحرية كالمساواة ستتحقق عندما تطبق الشريعة الإسلامية التي نصت عليها وجاهدت في سبيل حرية الفرد، وباعتبارها النموذج الوحيد الذي بتطبيقه تحققت كل المبادئ والقيم الإنسانية السامية. 
وختاما سوف أنهى مقالي هذا بما قاله الكاتب علي عزت بيجوفيتش فيما يخص الحرية: إذا سلمنا بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله، فإننا بذلك نعترف بوجود الله إما ضمنا أو صراحة فالله وحده هو القادر على أن يخلق مخلوقا حرا ..
 

هدى البصري

تكويني الاكاديمي علمي لكن اهتماماتي ادبية القراءة شغفي و الكتابة نبضي .اهوى الادب بكل فروعه و اعشق الموسيقى و ارى الجمال في التفاصيل البسيطة من حولي و اجد في العزلة متسعا للتعرف على مكنوناتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *