الفن التجريدي من أوروبا إلى المغرب

عن خصوصية الفن التجريدي وانتقاله إلى المغرب

الفن التجريدي عبارة عن موهبةِ إبداع وإنتاج أشياء جديدة خارجة عن المألوف، تُترجِم مشاعر وعواطف الفنان المتميز بالقدرة الإبداعية والإنتاجية. إن الفن التجريدي حسب فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام” ليس سوى تخليص الشكل العادي من تفاصيله الدقيقة والاكتفاء بالأشكال والألوان المعبّرة عن الفكرة الجوهرية للشيء المراد رسمُه.

في سنة 1921 صُعِقت موسكو بثلاثة لوحات للفنان ألكسندر روديشينكو حملت عنوان “أحمر نقي” “أصفر نقيأزرق نقي” وكانت تماما كما توحي عناوينها .. لوحاتٌ من لوح واحد.
أعلن روديشينكو موت الرسم بحركته المستفزة هذه والتي دقت ناقوس الخطر كونها لم تأت من العدم بقدر ما شكلت لحظة الصغر المنتظرة منذ أن أخذت تلك الظاهرة المعروفة بالفن التجريدي تصبح متفشِّية.

كانت انطلاقة الفن التجريدي من أوروبا إلى أن يصل إلى المغرب في العقد الخامس من القرن العشرين؛ وتحديدا حينما بلغ هذا الأخير ذروته في أوروبا. إذ سيسعى الفنانون المغاربة المنتمون لهذا التيار إلى جعله ركيزة أساسية لأعمالهم التحرُّرية المستقِّلة المعبرة عن ذواتهم، الشيء التي استصعب عليهم في الأشكال التشخيصية والتيارات التصويرية.

لوحة من الفن التجريدي

أصبح الفن التجريدي ظاهرة وليس مجرد تيار، الشيء الذي دفع معظم رواد الفن التشكيلي المغاربة إلى الانغماس في هذه الظاهرة محاولين بكل أفئدتهم إخراج الفن المغربي من “فطريتهم وسذاجتهم”. فلولا الصراع الغربي الشرقي بين الضفتين المتصارعتيْن عالميا خلال الحرب العالمية الثانية لن يلقى الفن التجريدي أوْجَهُ العالمي.

لكن السؤال الذي لطالما يطرح نفسه هو: هل أيُّ شخص متمكّنٌ من حل شفرة اللوحة التجريدية الغنية بالخطوط والألوان ؟
هنا يمكن استحضار دلالة الألوان الرئيسية الأكثر استعمالا
في هذا النوع من الفنون:
أولا؛ فاللون الأبيض دلالة على السكوت والطمأنينة . اللون الأخضر دالٌّ على السلام مع امتلاك القوة. بينما اللون الأحمر دال على الثقة بالنفس والحيوية. أما اللون الأزرق دال على الغموض وامتلاك قوى هائلة. واللون الأصفر دلالة على الدفء والإثارة وأحياناً يعبر عن التشتت والجنون.

الفن التجريدي يتوزّع على خمسة أنواع:

أوَّلُها التجريدي الانحنائي: وهذا النوع يتميز عن باقي أبناء جنسه بالاكتفاء بالخطوط المنحنية التي تستخدم لرسم الدوامات، الدوائر الأنماط اللّولبية مثلا، يتضح ذلك في استخدامها في رسم الوجوه البشرية. إلا إن هذا النوع لا يضم خطوط مستقيمية إطلاقاً، اشتهر كأحد الأنماط الفنية في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابو.

ثانياً، الفن التجريدي المرتبط بالألوان أو الضوء: يتميز بعدم قدرة الناظر على تمييز الصبغات اللونية يتجسد في أعمال الفنان أوسكار كلود مونييه خاصة في سلسلته الشهيرة المعنونة بـ “زنابق الماء“. كما يعد من أهم رواده جوزيف مااورد.

ثالثا، الفن التجريدي الهندسي: حيث يعتمد الفنان على الأشكال الهندسية من مربعات ومثلثات لترجمة أفكاره وإبداعاته حيث يكون الإنتاج الفني فيه بعيدا عن الواقع.

رابعًا، الفن التجريدي الإيمائي: في هذا النوع تعطى الأهمية لطريقة رسم اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، إذ يعتمد الفن التجريدي الإيمائي على الحدس والمشاعر العميقة.

خامسًا، الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي حيث يتم استخدام الأشكال الهندسية بشكل بسيط. المهم في هذا العمل الفني هو البساطة البالغة وقد لقي هذا شهرة شعبية كبيرة مقارنة بالأنواع الأخرى.

في الختام، يمكن القول إن الفن جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان. فقد شكّل على مر العصور وسيلة تعبيرية، وطريقة يؤكد الانسان بها تميزه وتفوُّقه على الكائنات الأخرى. ومن هذا المنطلق فإن الفن رؤية وجودية، استنطاق للذات عن ماهيتها ورحلة يتم البحث فيها عن ينابيع الجمال والمعنى.

الفن التجريدي من أوروبا إلى المغرب

Exit mobile version