ذكريات صغيرة

هذا الصباح، بينما كنت أنتظر سيارة
أجرة بملل يقطعه بعض التأفف، لمحت مدير المدرسة الابتدائية التي درست بها، كان
يرتدي جلبابا بنفسجي اللون فاقعه، ويتبعه حارس البوابة مهرولا كظل تعيس
تبعت
المدير بنظري إلى أن دخل إلى المقهى في شموخ باهر عكس ظله الذي تقزم أكثر، لحظَتها
تهافتت الذكريات على مخيلتي، تذكرت المدير الجديد، والمدرسين الجدد، الأصدقاء
الجدد..، في حقيقة الأمر كنت
 أنا العنصر الجديد حينها. ولكي أوقظني
من نوستالجيا الطفولة، عدت لأحدق بسور المدرسة وطلائه الباهت، النوافذ الضبابية،
الستائر الداكنة، والبوابة الحديدية التي كنا نخترقها بحماس كل يوم، وكل تلك
التفاصيل التي لا ننتبه لها عادة
بدأت
أفكر في مدى اختلافنا مع أطفال اليوم، وهل يعيشون أجواء كالتي مررنا بها، أم أن
الأمر بات مختلفا الآن، إن كان لا يزال الحال كما كان
فكم
من اجتماع مغلق يقام الآن، في حلقة مستديرة حول سلة المهملات بدعوى بري الأقلام؟
كم
من طفل الآن يطأطئ رأسه تفاديا لأي تواصل بصري مع معلمه، كي لا يطلب منه قراءة
النص؟
كم
من طفل الآن، يدفئ يديه ويصبغ راحتيه بغبار الطباشير السحري عله يقيه من صرخات
العصا؟
كم
من طفل الآن، يقبض على قطعة معدن من الطاولة ليخدر ألمه ويطفئ لهيبه؟
كم
من طفل الآن، يقف أمام السبورة يكتب الإجابة الصحيحة بكل ثقة، ثم يكتشف عند عودته
إلى مقعده أنه كتبها مائلة، فيخبو فخره وينثال؟
كم
من طفل الآن، يتباطأ في طريق عودته من الحمام إلى القسم، كأنه في رحلة للبحث عن
الكنز، عله يضيع لحظات أكثر من وقت القسم؟
كم
من طفل الآن، يسترق النظر إلى الساعة الحائطية ليعد الساعات والدقائق المتبقية؟
كم
من طفلة الآن، تدس رسالة سرية في يد صديقتها خلسة؟
كم
من طفل الآن، يشعر بنفسه سفيرا وهو يحمل علبة طباشير ملونة من قسم إلى آخر في مهمة
رسمية؟
كم
من طفلة الآن فخورة بضفيرتها؟
كم
من معلمة تصرخ الآن؟ تبتسم؟ تشرح وتعبر؟
 
كم
من الأحلام تطفو فوق رؤوسهم، وكم من الأماني مخبأة داخل جيوبهم؟
كم
منهم سعيد وممتن بتواجده بالمدرسة، وكم منهم يتمنى أن تنهار على رؤوس من فيها؟
كم
وكم وكم من فكرة وحدث وحديث يدورون في فلك تلك المساحة الصغيرة بين أربع جدران
وباب صدئ زادته الأحداث اهتراء..! وكم وكم وكم من خواطر وحكايا يخبئها البشر بين
ضلوعهم الضعيفة خوفا من الآخر المستعدِّ للانقضاض في أي وقت ليشبع أناه الطفيلية
.
 

مدونة زوايا

زوايا فريق شاب مؤلف من 10 شباب عرب مختلفي التخصصات والاهتمامات و غزيري الأفكار يجمعهم حب التدوين والرغبة في إثراء الويب العربي بمحتوى مفيد فريق زوايا ذو أفكار خلاقة وعزيمة متأهبة يعدكم بمحتوى مدوناتيٍّ أقل ما يقال عنه أنه استثنائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *