اللغة الأجنبية

وسيلة تواصل أم معيار للرقي؟

سؤال يتبادر إلى ذهني دائما وأنا ألحظ الانتشار السريع لما بسمى اللغة الأجنبية أو لنقل بمعنى أصح “الدخيلة” علينا بطريقة غير مباشرة، ولنكون صادقين مع أنفسنا فهي دخيلة بطريقة مباشرة، فكلنا نعلم أنها من مخلفات الاستعمار بشتى أشكاله إلا إذا كنا نتجاهل ذلك عمدا وبنوع من التغابي، الإستعمار الذي غادرنا في الواقع بينما لا يزال يتشبث بياقات قمصاننا لآخر رمق كي يستنزف كل ذرة هوية عربية أو ثقافة شخصية.

أضحت في السنوات الفارطة اللغة الأجنبية تسودنا كالنار في وسط الهشيم، تتآكل أمامها لغتنا العربية الفصحى وتضعف بحضرتها لهجاتنا المختلفة حسب كل بلد، تسطع هي وحدها بينهن فتغدو أكثر سلاسة حسب ظن البعض.
في الواقع تعد اللغة كمفهوم وسيلة تفاهم واحتكاك بين أفراد المجتمع لا أقل ولا أكثر، إنها طريقة لنوصل أفكارنا ونبث لغيرنا آراءنا و نعبر عنها بشكل يسهل عليهم فهمها، ولم يكن تواجد لهجات ولغات مختلفة أمرا عبثيا إطلاقا بل كان تشخيصا للهوية التي يتميز بها كل بلد عن غيره من البلدان.

لكن ما يرصده الواقع المعاش مقلق للغاية، فاللغة العربية الفصحى التي تجسد انتماءنا أضحت طرازا قديما!! والرجوع إلى الأصل بغرض التشبث بالهوية غدا تخلفا!! ومن ناحية أخرى، التحدث باللغة الأجنبية في الحياة اليومية صار عادة ويا ليتها كانت عادة من أجل اكتساب اللغة لا غير، بل على العكس، يعتبر الكثير من الأشخاص اللغة الأجنبية معيارا للرقي وبالتالي تكاد تصير سببا في اتساع الفوارق الطبقية وتباعد الفئات الاجتماعية، فمكتسب اللغة الأجنبية يصير نابغة حتى وإن افتقر لأبسط مقومات لغته الأم والمتعمق في لغته العربية الأصيلة رجعي لا يفقه في شيء… وما يحفز على انتشار هذه المعضلة هو النظام السياسي والتعليمي الذي تسير به بلداننا والتي لا تعير لأصولنا اهتماما، وهمها الوحيد إرضاء غيرها عبر تكديسنا بما لا ننتمني له فنصبح عبادا في زمن صارت به الحرية كشرب الماء!!

صورة تعبيرية

وهنا يبرز ذكاء الإنسان العربي السوي الذي يحافظ على نفسه من سلطة السيطرة الخارجية و يتمسك بهويته، فيتعمق في فهم هذه الأخيرة أولا، لأنه مسؤول عنها فمن العيب أن يجهل الشخص حضارته فبذلك هو جاهل لنفسه أيضا، حينها فقط يستطيع الانفتاح على غيره من الهويات، بنوع من التثقف والرغبة في التعلم والقدرة على محاكاة الحضارات المختلفة وإشباعا لفضول معرفة العادات والتقاليد الخاصة بكل منطقة، لكنه يظل دائما مفتخرا بأصله، قولا و فعلا، فكما كان المستعمر يكن أهمية كبرى للغته حتى أصبح ترسيخها في المستعمرات هدفا، على العربي أيضا أن يدفع عنه كل الأفكار الجانبية التي تحاول المؤثرات الخارجية فرضها عليه، وأن يصب اهتمامه على فهم ذاته ثم بعد ذلك فهم غيره.

اكتساب اللغات الأجنبية كيفما كانت فكرة سديدة ستساعدك كثيرا لكنها لن تزيدك فخرا ما دمت غافلا عن أصلك والأصل هنا لا يشمل اللغة العربية فقط بل حضارتنا بأكملها، ويا لها من حضارة تستحق الفخر! حضارتنا العربية.

اللغة الأجنبية

ياسمين فلاحي

طالبة في معهد متخصص في مجال السينما و مهن السمعي البصري و صحفية متدربة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *