موت بطيء

خواطر عن الاستسلام للفشل

إن الخيبة الأولى هي الأصعب، ثم فيما بعد ستألف الأمر فالخيبة الثانية ستكون أقل وطأة عليك، ومع الثالثة ستتراجع خطوات إلى الخلف ستطل بعين الحزين المتباكي على أطلال أشخاص في مثل سنك قد حققوا إنجازات كبيرة وآخرين أصغر منك قد أمسكوا بمقود حياتهم وحققوا كل ما رغبت فيه نفوسهم التواقة للمعالي وكأن نفوسنا نحن غير مبالية بالوصول إلى القمة وكأنها أخذت قرارا منذ البداية بأن ترضى بالرخيص من كل شيء، يا لسخف هذا الأمر، كأنه موت بطيء أو موت على قيد الحياة.

لن يتبقى سواك ستتوارى عن الأنظار ستحبس نفسك داخل غرفة مظلمة ستكتفي باستراق نظرات من خلف الشباك للحظات قليلة فقط ثم ستغلق الستار بسرعة فما عادت نفسك قادرة على تحمل المزيد لقد تعبت من المقارنة بينك وبينهم تتساءل في قرارة نفسك مئنبا إياها في نفس الوقت وجالدا ذاتك بسياط الحسرة والندم ترى ما الأمر وما الخطب هل الخلل يكمن في نفسي التي لم تعمل بجهد أكثر ولم تتعب بما فيه الكفاية من أجل الوصول إلى بر الأمان مثلهم ؟ أم أن العطب خارج عن إرادتي و ليس لي حول ولا قوة فيما حدث ربما الخلل في الحقيقة يكمن في ..لا .. أبدا يكفي يكفي أعذارا حدث الآن ما حدث هذه الحسابات الفارغة لن تفيد في الوقت الحالي، ما عليك سوى العودة للسرير والمكوث فيه إلى حين يقضي الله أمرا كان مفعولا هكذا صاح ضميرك من الداخل.

الوحدة صعبة أعلم ومؤلمة بل وألمها لا يحتمل خاصة إذا طالت أكثر من اللازم أو إن كانت إجبارية كوحدتك هذه، نعم حتى تصدق القول مع نفسك فوحدتك كانت رغما عنك لم تخترها بمحض إراداتك فلست كأولائك الناجحين الذين يلجؤون للعزلة حتى يرتبوا مهامهم ويعدوا إنجازاتهم الكثيرة ويتأهبون لإنجاز الأكثر أو كعزلة جماعة المثقفين الذين يلتهمون عشرات الكتب في وقت وجيز ثم يتنافسون في التقاط الصور مع فناجين القهوة مع الشباك المطلي بقطرات المطر، لا أبدا لست من تلك الفئات فأنت كما يعلم الجميع ليس لك أية إنجازات ومفردة نجاح هذه أضحت في السنوات القليلة الماضية غريبة وغير مألوفة لك أحيانا تردد مع نفسك ترى ما معنى كلمة -نجاح-؟ يا لسعادة من عرفوا معناها وتذوقوها تغبطهم أليس كذلك بل وتغبطهم كثيرا.

ألم وأمل – صورة تعبيرية

وحدتك كانت هروبا من الواقع، الواقع المر، الواقع الذي لم يرأف لحالك ولم يأبه لمأساتك وزادك هما على هم وحزنا على حزن وحدتك كانت إذعان للواقع ومآسيه، لذلك قررت أن تتقوقع على نفسك فهذا والله أحن وأخف وطأة عليك فأن تتجرع ألم الوحدة خير من تتحمل مخالب الألسنة التي ما فتئت تتبعك أينما حللت وارتحلت و تدس في جسدك المتهالك كبناية آيلة للسقوط في أية لحظة سموما من الكلمات القاسية، الإهانات، والإقصاء ثم الاحتقار من كون الرسوب والإخفاق في تحقيق متمنياتك هو شعار حياتك.

ربما أضحيت فألا سيئا عليهم على أصحاب أولائك الأسلحة الفتاكة المتمثلة في ألسنتهم تلك التي لا تحسن سوى إطلاق صواريخ تفتك بالروح، ونظرات الانتقاص تلك آه كم هي صعبة لا والأصعب هو شفقة البعض منهم شفقتهم على حالتك المزرية وعلى ما آلت إليه أمورك وتفرجهم عليك وكثبان اليأس تكاد تقلعك من الجذور، على ما يبدو أنه قد أعجبهم المشهد استمتعوا كثيرا بالمسرحية الدامية صفقوا على آلامك، على جروحك وهي تنزف دما لم يرأف أحد لحالك، لم يرحمك أحد يتناهى إلى سمعك صدى قهقهاتهم وتصفيقاتهم العالية فتهرق دمائك أكثر وجرحك ينزف أكثر من ذي قبل، الأوجاع تداهمك من كل حدب وصوب وليس بيدك أية حيلة تجاه هذا الأمر، تشعر أنك مكبل إلى حائط بأصفاد حديدية ثقيلة تمنعك من الحركة وبالكاد تستطيع التنفس، ربما ستموت قهرا وألما و لن يترحم عليك أحد ربما ولماذا سيفعلون؟ ما الذي حققته؟ أنت مجرد نكرة زائدة على الحياة، ربما الشيء الوحيد الذي تمكنت من فعله هو أنك صرت مصدر سخرية لهم فنجحت في أن ترسم ضحكات عالية على وجوههم، فهنيئا لك، صار يضرب بك المثل في الفشل والانهزام والاستسلام لمخالب الحياة التي لا ترحم.

موت بطيء

حسناء المرابط

مدونة مغربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *