عن الخيانة الكبرى أتحدث

المغرب ومعاهدة ايكلس ليبان بعد 54 سنة من نهاية الحماية الصورية

كلما أفكر في كتابة هذا المقال ينتابني قلق لا أدري ماهيته، أَهو فزع من ماضٍ يسوده الضباب والغموض، أم حاضر هو نتيجة خيانة الماضي البئيسة والقرارات غير المدروسة، أم مستقبل مجهول لا نعرف عاقبته؟

إنني أتحدث عن “إكس ليبان“، معاهدة الخيانة المشؤومة التي أذهبت باستقلال المغرب أدراج الرياح. أتحدث عن نكبة كبرى وخسارة أكبر وخيانة للوطن وأهله جعلت بلادنا تابعا لا متبوعا يقبل الآراء بدون نقد ولا تعديل، يُطيع وليس من حقه إثبات كيانه ولا إبراز هويته. معاهدة اضطرت المغرب للتخلي عن كل ما يتميز به كبلد مسلم عربي ينتمي لدين الإسلام والعروبة، جردته من لغته العربية وأدخلت الفرنسية كلغة رسمية نتعلمها منذ المهد ونتعامل بها أينما حللنا وارتحلنا مجبرين لا مخيّٓرين، يفرض علينا فرضا تعلم لغة مٓن استعمرنا الأمس في عقر بلادنا، أي ذل وصلنا إليه؟ وأية هزيمة حلت بديننا وببلادنا؟


سنة 1955 قامت فرنسا بالتفاوض مع المغرب من أجل حل سلمي يوقف الحرب بين الطرفين، فتمت المعاهدة في مدينة إكس ليبان الفرنسية بين نخبة من أصحاب القرار الفرنسي تضم رئيس الحكومة إدغار فور ووزير الشؤون الخارجية بيناي والجنرال كوينغ وزير الدفاع وروبرت شومان وبيير جولي، بينما الوفد المغربي كان يضم 37 عنصرا بينهم شخصيات من أحزاب الحركة الوطنية وخصوصا حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، وشخصيات نافذة مقربة من السلطة الفرنسية اختارتهم فرنسا وتخيّٓرتهم لأنها أدركت أنه بفضلهم ستكون المعاهدة لصالحها وهذا ما كان بالفعل؛ فقد تمت الاتفاقية كما خططت لها الدولة الإمبريالية التي بفضل مؤامراتها الدنيئة حولت الاستعمار من عسكري مباشر إلى فكري واقتصادي واجتماعي غير مباشر، استطاعت أن تجعل المغرب تابعا لها بفضل معاهدة الخيانة المشؤومة تلك والتي وافق عليها أولئك الذين غرتهم الحياة الدنيا وزينتها، باعوا شرفهم مقابل دنانير معدودة، باعوا حرية بلادهم مقابل مناصب وهمية، هؤلاء من فضلوا الذل عن العزة والكرامة وفضلوا التبعية عن القيادة.

لم تقدم حكومة فرنسا على التفاوض مع أعضاء المقاومة المسلحة التي كانت لها اليد البيضاء في التصدي للاستعمار وردعه وهي التي تحمل بين ثناياها هدفاً ترجو تحقيقه وهو “الاستقلال” بمعناه الواسع، كأمثال محمد بن عبد الكريم الخطابي وموحا أو حمو الزياني ومحمد الشريف أمزيان وعسو أوبسلام … والكثير منهم رجالا أحراراً لم تستعبدهم دنانير الكفار ولا استهوتهم عطاياهم ورشاويهم النجسة من أن يبيعوا الغالي بالبخيس، لأنهم رجال ذوو دين ومروءة وأخلاق، يقودهم دينهم الحنيف إلى تحرير البلاد من الطغاة المستبدين.
ففطنت فرنسا أن التفاوض مع زعماء المقاومة لن يُعبد لها الطريق إلى استعمار آخر بحلة جديدة للمغرب، فرفضت الاتفاق مع الزعماء المجاهدين ذوي الدين القويم والفكر الصائب، وفضلت التفاوض مع سياسيين تطبخهم كما شاءت وتهطل عليهم بالمنصب والمال مقابل القبول وطأطأة الرأس.

ثلة من الوفد الذي حضر مراسيم اتفاقية إكس ليبان المشؤومة

أمسى المغرب بعد تلك الكواليس -التي دامت خمسة أيام ابتداءً من 22 إلى 27 غشت سنة 1955م- في قبضة فرنسا من جميع الميادين سواء التعليم أو الصحة أو في مجالات الاقتصاد والسياحة والثقافة، بل وكذا السياسات الداخلية منها والخارجية، تستفيد من الموارد الطبيعية للمغرب كالبترول وكذا الموارد البشرية عبر هجرة الأدمغة، و يوجد حوالي 900 فرع من شركات فرنسية متوزعة على مختلف المدن المغربية تستثمر في مجال صناعة السيارات ومشتقات البترول وفي البنوك وفي صناعة المواد الغذائية وفي تصدير النسيج والملابس والمواد التجميل…

استطاعت فرنسا أن تتغلغل بدهائها في كل شبر مغربي فقد اكتسحت البلاد وعولمتها بطريقتها الفرنسية، فنشرت ثقافتها ولغتها واستراتجياتها في مناهج التعليم؛ يقول العالم الكبير المهدي المنجرة في هذا الصدد في كتابه “عولمة العولمة”: “إن العالم يعيش اليوم حرب قيمٍ، ومن يستطيع أن يفرض قيمه يكن الأقوى حضاريا، وأنظمتنا تفرّط في قيم شعوبها وتتلاعب بمستقبلها وتعرّض أوضاع أجيال قادمة لزحف الأنظمة الاستعمارية”.

إنه لمن المؤسف والمخزي أن تذهب تلك الجهود المبذولة من قبل جيش التحرير والمقاومة المسلحة المغربية في مهب الريح، لم يلتفت لدورهم الجبار في قهر الاستعمار أحد ولا في سعيهم المستمر رغم شح العدة والعتاد في تحرير البلاد والعباد، لقد تم الاستقلال ولكن أي استقلال؟ هل استقلال بمعناه الشاسع أم استقلال بخروج العسكر الفرنسي من الأراضي المغربية فقط؟

جل النخبة المثقفة العالمة بمكائد الدولة الإمبريالية أدركت أن المفاوضة ليست إلا لعبة وخدعة كبيرة للشعب المغربي التواق إلى الاستقلال عن فرنسا. يصف الدكتور المهدي المنجرة المعاهدة على أنها “خيانة للوطن”، وجاء صوت محمد بن عبد الكريم الخطابي من القاهرة يحث المقاومين على الاستمرار في الجهاد والنضال وعدم الالتفات إلى اتفاقية “إكس ليبان” التي من شأنها أن تذهب بكيان المغرب إلى الهاوية.
وحق القول أن ما نعيشه حاليا من تشرذم سياسي وتبعية عمياء وتدهور كبير في قطاعات هامة كالتعليم والصحة، ناهيكم عن الانحراف الأخلاقي والرؤية الغامضة لمستقبل مجهول.. كل هذا بسبب تلك الخيانة المشؤومة للاتفاقية المشلولة غير المنصفة وغير المتساوية بين أطراف التفاوض.

عن الخيانة الكبرى أتحدث

فاطمة الزهراء عابيدي

ممرضة متدربة بمدينة العيون، 20 سنة، عاشقة للتدوين وشغوفة بالقراءة العربية.

‫3 تعليقات

  1. المنجرة صرح من جامعة السوربون واصفا اكس ليبان بالخيانة. كيف تقول انه لم يذكرها؟؟؟!!

  2. أولا : هل هناك اتفاقية بدون بنود ؟
    وهناك تصريحات عدة للدكتور المنجرة في هذا الصدد أدعوك للبحث ، و بما أن المنجرة ابن الحركة الوطنية كما تزعم فلماذا لم يكن حاضرا مع الوفد المغربي خلال المعاهدة ؟
    ثانيا: فرنسا لم تكن حليفا تاريخي بل هي مستعمِر
    ثالثاً: المقاومة المسلحة كانت حاضرة و إن غاب الزعماء فهناك الخلفاء، فلماذا لم يتم التفاوض مع الخطابي الذي توفي سنة 1963 بعد المعاهدة و مع المجاهد عسو أوبسلام الذي توفي في سنة 1960 ، و مع علال الفاسي الذي كان ضد هذه الإتفاقية..

  3. لست ادري مدى حب صاحب المقال لشماعات لكن يجب ان تختار واحدة صلبة اكس لم يتم التوقيع فيها على اية وثيقة فلست ادري من اين جلبتم كل هذه الفصول و البنود فحتى المنجرى ابن الحركة الوطنية التي تستشهدون به لم يدكر اكس ليبان ابدا ادن حسب منطقكم سيكون اما خاىنا او مخدوعا مثلنا و هو لا بهذا و بذاك، اما التغلل الفكري والاقتصادي الفرنسي فالمغرب فهو امر واقع بسبب قربنا من حليف تاريخي و يصور صاحب المقال حالتنا كحال اليمن تحت سيطرة دول الخليج او مالي و فرنسا و يبني اطروحته من منطلق مشاعر و وصف لحالتنا النفسية و تغيب لكل الحقاىق السياسية و قانونية للحقبة بل و التارخية البسيطة المقاومون التي تتحدتونا عنهم ماتوا في la guerre de pacification في العشرينات و التلاتينات……موضوع مثل هدا لا يمكن كتابته من فراغ او بالمشاعر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *