عبير الجمعة في الغربة

اشتقت لعبير الجمعة في وطني

اشتقت لعبير الجمعة في وطني؛ أحن إلى رائحة الكسكس المغربي الذي تعده أمي بحب وشغف، إلى رائحة جدتي بعد اغتسالها ولمعان وجهها الذي يشع نورا فوق سجادة الصلاة وابتسامتها وهي تلح في ترجِّي المولى بحفظ أبناء بطنها. 

لح بي الشوق لرائحة أبتي وهو يستعد لقصد بيت الله في هذا اليوم المبارك. صبت إلى رائحة العود التي تعبِّئ أركان البيت. وزاد شوقي لصوت المؤذن العذب للنداء لطاعة الله والاستماع لموضوع الخطبة الذي لازال صداه يرن في أذناي. تقت إلى رنين جرس المنزل الذي يعلن عودة أبي وإخوتي من المسجد فتشرع أمي في التفاني في تقديم طبق الكسكس وتعابير وجهها كلها حماس وفرح. اجتماعنا على الطاولة وضحكاتنا اللامتناهية أصبحت كذكرى يصعب عيشها حاليا. فهذه الاجواء غريبة في غربة غريب عنها يوم الجمعة المبارك، هدية من الرحمان لعباده للتطهر والتعبد وصلة الرحم والتصدق. صوت الاذان، عبير التطهر وبركة يوم الجمعة لا ينتمون إلى الرقعة الجغرافية التي اصبحت انتمى إليها. لذة يوم الجمعة غابت عني وغابت عني أجواؤها. يوم كغيره من الايام مليء بالمتاعب الدنيوية، الضجيج الذي يعم المدينة، صفير القطار وتوتر الازدحام في غياب تام للروحانية والخلوة إلى الله. لكن إذا رحلنا عن الوطن واغتربنا ليس لكرهنا للوطن، لكن عندما تقرر أن تتحدى نفسك وتخرجها من منطقة الراحة، تتبادر إلى ذهنك مجموعة من المخاوف والعراقيل وتبدأ بتخيل نفسك وسط معمعة لا مخرج منها. جسر تعبر منه البشرية كلها، لكن ما يجب التأكد منه هو أن الخروج من منطقة الراحة هو الراحة بذاتها. فإذا حبست نفسك داخل دوامة الروتين التي لا نهاية لها تتبلد روحك وتصبح غير قادر على التعايش مع الواقع ومجابهة كل ما هو غير مألوف في حياتك. فالإنسان بطبعه، مهما بلغ من العمر، يظل طفلا خائفا أمام كل ما هو جديد. فالحماس الذي يسكنك عند اتخاذ القرار يتبخر بمجرد التفكير في جل التضحيات التي يجب القيام بها. لذا، فإذا قررت الحياة أن تكون قاسية فقرر أنت بدورك أن تجابهها بقوة وعزيمة، فبين الفشل والنجاح مجرد قرار، عزم، إرادة وخروج من منطقة الراحة لملاقاة الراحة. وفي يوم آخر جمعة لهذه السنة، أتمنى أن تكون السنة القادمة حافلة بالإنجازات والمسرات. تحدى نفسك وأخرجها من منطقة الراحة. فما الدنيا إلا محك المصاعب.

عبير الجمعة في الغربة

مدونة زوايا

زوايا فريق شاب مؤلف من 10 شباب عرب مختلفي التخصصات والاهتمامات و غزيري الأفكار يجمعهم حب التدوين والرغبة في إثراء الويب العربي بمحتوى مفيد فريق زوايا ذو أفكار خلاقة وعزيمة متأهبة يعدكم بمحتوى مدوناتيٍّ أقل ما يقال عنه أنه استثنائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *