المعنى و الصحة النفسية

انظر حولك تجد البشر على كل شيء يتهافتون، لكن لن تجد أحدًا منهم يسأل نفسه هل لحياتي معنى؟

نحن دائمًا ما نؤمن أن هناك معنى لوجودنا، ربما لأن هذا يشعرنا بالارتياح أو لأنه بكل بساطة، حقيقة. لكن السؤال هل سيكون للحياة معنى عندما تكون بلا معنى؟ أي هل يستطيع الجنس البشري العيش في حياة بدون معنى، أم أنه قد يصنع لنفسه أهدافًا ومعتقدات ليجعل لحياته معنى!!

كل وجهات النظر متضاربة بخصوص هذا الموضوع، فالحياة تساوي عند أينشتاين العلم والفضول، وعند بيكاسو الفن، قد تكون هي الحب والسلام والجمال بالنسبة إلى إريك فروم و غاندي  و جلال الدين الرومي.

فيكتور إميل فرانكل، طبيب أعصاب وطبيب نفسي وهو أحد مؤسسي العلاج بالمعنى، يَعتَبر هذا العلاج بالسعي للعثور على معنى لحياتنا، هو أقوى تحفيز يدفع الإنسان لفعل شيء ما، كما قال فريدريش نيتشه «من يعرف السبب الذي يعيش من أجله يستطيع تحمل العيش بأي طريقة».

لقد كان فرانكل يعالج مرضاه عن طريق معرفة الشيء الذي يشكل أهمية كبيرة عند مريضه، ومن خلال إجابتهم كان يحدد الخيط الذي سيقوده للعلاج، قد يكون حب شخص لزوجته وأولاده وسعيه لتوفير حياة كريمة لهم، أو موهبته التي يحاول أن يصنع بها الفارق، وقد نبه فرانكل إلى أن عدم وجود معنى في حياة الإنسان قد يشكل مَخاطرا على صحته النفسية:

الفراغ الوجودي (فقدان الشعور بمعنى للحياة)
أرض خصبة للأمراض النفسية (الاكتئاب، الإدمان)
الرغبة في الانتحار.

المدهش أن فرانكل استعمل هذا العلاج على نفسه، فقد اعتُقِل رفقة عائلته في المعسكرات النازية وتعرض لتعذيبٍ شديد، وقد ذكر من خلال تجربته في السجن أن السجناء تتغير نفسيتهم عبر مراحل، بداية بالصدمة إلى حد البلادة والعيش دون طموح أو أهداف في الحياة واكتفائهم بطعام وشراب ومأوى للنوم مما كان يدفع الكثير للرغبة في عدم إكمال حياته، عكسه هو الذي كان كلما ضاقت به، يتخيل نفسه واقفًا وسط الجمهور يصفقون له احتفالًا بكتابه الذي سيحكي فيه عن تجربته وهو ما حدث بالفعل، وهذا ما جعله صامدًا كل تلك المدة في السجن لأن هدفه أعطى لحياته ومكوثه في السجن معنى. 

المعنى الذي نعيش من أجله ليس مسألة رفاهية، لأن المعنى هو الذي يجعل جنديًا يقتل المئات ويضحي بحياته في سبيل وطنيته، هو الذي يجعل الأم تترك عملها من أجل طفلها، المهم أن لا تكون ممن تُنسيهم تخبطات الحياة من روتين وعمل وزواج في البحث عن معنى لوجودهم.