وسط الزحام

رسالة اعتذار

أخذك هذا العالم مني لتغدو مشغولا شاردا كل يوم.. ولا تراني في عالم مزدحم بأرواح وأجساد وأوجه تتغير ألوانها وأحجامها وأشكالها.. فلا تجيب حتى على مناداتي.. ولا على رسائلي ولا على مكالماتي.. أكنت عبئا لتتخلص مني وسط كل ذاك الزحام وتمضي دون الالتفات للوراء للتتفقدني إن كنت خائفة لوحدي وسط كل تلك الأوجه والأرواح التي تنظر لي بعين شر تخترقني لكوني امرأة تمشى لوحدها في مكان عام..

تعلم أن الخوف يستحوذ علي لكوني لوحدي في تجمعات كتلك.. تعلم أن عالمنا هذا فيه من المصائب ما يكفيه وإن جعلتني ضحيته.. تراك هل سترضى؟

تعلم أني ابنتك المدللة التي لا تستطيع أن لا تمسك يدك،.. تغني لك و تروي لك قصصا وأحداثا وأسرارا ظنا منها أن أغانيها وقصصها حب وأن أسرارها مكتومة في بئر. فضلا عن كون ما تسلكه هي طريق مستقيم سليم لاتشوبه شائبة لكون أبوها هو من وجهها.

بقيت جالسة في مكان لفترة طبعا لم تكن روحي وحيدة ففي صحبتها ضمير يقظ وحواس يقظة أيضا كان قد بدأ خلال بضع دقائق معاتبتها عن كل تقصير بدر منها اتجاهك وتجاه الأوجه التي حولي.

لدلالي الزائد ولكثرة ثرثرتي. واضعا كل الاحتمالات التي قد تجعلك لا تلتفت بعد تركي هناك. كان قاسيا، وهو حامل لسوطه وكانت هي – أي روحي– تحاول الهرب منه مختبئة خائفة وإن كانت ضربات سوط لسانه أشد وأقوى ألما، تنتشر في كل الأرجاء؛ جراحات اللسان لها التآم ولا ينسى ما جرح اللسان كما قال الشاعر؛ كنت أختبئ منه؛ أحاول أن لا أسمع كلمة ولكن لم أستطع فقد استحوذ علي أصبح صوته يعم المكان مما جعلني أنهض من مكاني صارخة باكية، فاقدة الأمل في عودتي لحضنك ولإمساكي ليدك والثرثرة مجددا ومجددا.

لا أعلم حينها لما أرى أن كل تلك الأوجه والأرواح تلتفت لي محدقة بغرابة وبكل ما تحمله الدنيا من شر.ذاك الذي كنت أكتب أحيانا عنه، لم يصبح رهين الورق.الدموع تهطل من عيني مع إيقاعات الصراخ والنحيب..

أنهكت قواي ولم أعد قادرة على الركض أخطو خطوات لم أقسها ولم أحسبها.. فلا أنا أداري إلى أين أنا ذاهبة وإلى أين طريقي. أغلقت كل الأبواب في وجهي.وغدوت مرتابة تائهة أنا التي لم تعرف التيه يوما.. أنظر للسماء فأجدني هائمة في التفكير أبتسم للناس ولا أشعر أنني أبتسم لهم.. أسلم عليهم ولا أسلم عليهم.
بالي شارد، نفسي فارغة.. وعقلي يسبح في لجة هموم وقصص إخترعتها أنا..

شريط ذكرياتي يمر أمامي، مذكرا إياي بقساوتي ووقاحتي تجاهك أبي.. كم كنت فظة في إيجابتي وتصرفاتي اتجاهك.. ولطالما كنت لي موجها راشدا ناصحا اياي بصدر رحب وقلب طيب حنون..

أخبرني.. من أنت لتخرج الحي من الميت.. وتخرج الروح من ضيق الجسد.. وتخلق الطمأنينة بعد الحرب.. من أنت لتسعى لتأمين كالسيوم الأمل لترميم نفوس ألحقت بها كل أنواع الدمار.. من أنت لتعيد الحياة لحياتي وتجعل العيد الذي يحصل مرة واحدة في كل عام، أعيادا تتكرر طيلة أيام السنة ولا أمل منها.. أخبرني أرجوك عن قواك الخفية تلك وعن الأرواح التي تسخرها لخدمتك.. أخبرني أيضا من أين تستوحي قوة كلماتك وصدق عباراتك وحكمة تصرفاتك.. أبعثت لدنيانا هذه بالخطأ.. أملاك أنت معصوم من كل التفاهات والأخطاء.. و إن كنت إنسانا، أي إنسان أنت.. أي فصيلة أنت.. لم لا تشبه جميع البشر التي تتزاحم في هذا العالم بتفاهاتها أقوالا وأفعالا.. لم لا تشبه كل الآباء..
كيف تحسن كل شيء وتختفي بعدها.. بأي حق وبأي منطق.. أجائز به في عالمك.. فحسبي لا يحق لك الاختباء ولا الاختفاء.. لا يحق لك أي منهما.. أيا تكن.. ملاكا، إنسانا، كائنا حبريا كنت أو صوتيا، روحا، خيالا أو غيرها.. فأنت أبي.. ومن واجبك أن تجعل روحي تصعد وتتحرر من كل تلك الأقفاص التي تكبلها وإبداعاتها.. تغصبها حرياتها.. تنظر إليها بعين شر.. من واجبك مرافقتي في السراء والضراء.. والاعتناء بي.. والإمساك بيدي في عالم متزاحم بالأوجه..

دعك هنا.. دعك معي ما حييت ولا تتركني في عالم واسع بشع تائه مشتت خائف غارق وسط الأوهام، اعتبرها أنانية أو ما شئت أقول واكرر لا حق لك بالاختفاء والاختباء ولا حق لك بتركي وحدي وسط الزحام..

أ يحدث أن أجدك و تجدني أن نلتقي مرة!

صدقني.. أود لقياك ولو لمرة أخيرة لتنطق جوارحي بصدق لأعتذر بصدق لك أبي وإن التقينا وأخبرتك تراك هل ستصدقني؟

وسط الزحام

عبير الشارف

طالبة هندسة معمارية و طالبة قانون، كاتبة لخواطر و قصص و مقالات عن العديد من المواضيع في شتى المجالات، عاشقة للقراءة و الكتابة، للرسم و الصباغة و التصوير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *