رسالة.. لا أذكر الرقم تحديداً

عن أشياء سقَطتْ

هذه القصة لا تحتاج مقدّمةً تمهِّد لها الطريق. يكفي أن تتمعن عزيزي القارئ/ة في كلماتها وتأخذ منها بعض العبرة إن كنت عاشقا/ة، وربما ترمي ما بقي منها خلفك وتمضي كأنك لم تقرأ رسالتي هذه ولا سابقاتِها، فأنا لم أعد أستطيع كتابة المزيد من الرسائل التي ضقت منها ذرعا أو ربما من نفسي فأتيت راجية مساعدتي من عقلي المقزّز هذا الذي يأبى أن يمهلني بعضا من صمته. لا طاقة عادت لي في عَدّ الرسائل ولا الأحداث المتراكمة بخاطري لم أعد أقوَى، أنا من حنيني متعبة.

أمينة قاصد

أتعلم يا عزيزي أنني ما أزال على عادتي وأكتب لك مئات الرسائل أحدثك عن تفاصيل يومي عما يجول بخاطري، أخبرك عن الخبز المحمَّص الذي أحرقته، عن إبهامي الذي خدشته بالسكين أثناء إعدادي لوجبتك المفضلة، عن القطار الذي فاتني كالعادة، عن الكدمة في ساقي، عن القهوة التي غاب ناظري عنها وسكبت في أرجاء المطبخ، عن الامتحان الذي لم أجد تركيزا لإجرائه، عن هذا الجرح في أعماقي، عن تلك التفاصيل التي طالما أعرتَها اهتماما بالغا حين سماعها، لازلت أحدثك عن مصاعبي وأزماتي لكني لا أجد ردا منك يواسي وحدتي ولا جوابا يشفي غليلي، ولا كلمات مناسبة مني للشرح.. حسن!
ليس عائق الكلمات، بل تعبت من كتابة هذه الرسائل التي لا تصل لك أبدا، لكن هذا لن يمنعني يا عزيزي من أن أناجيك بين الفينة والأخرى، فمُذْ غبتَ قد ضاق كَوني وبهتت ألوانه وعاد ربيعه خريفا، أراك بين ثنايا منزلي، في الأزقة، حتى في كتبي تتراقص تفاصيلك بينها، لا أنكر أني أشتاق لك بكل ما تحمله الكلمات من معنى هذا وإن حملت لك المعنى أساسا..

لطالما تساءلت هل أخطُرُ ببالك بين الفينة والأخرى؟ ترى هل تشتاق لرقصات العواصف؟ هل تراني بين أركان الغرف أجول حافية القدمين؟ هل حقا نسيتني واتخذت ملجأ لك بين أحضان غيري؟
يكاد الملل يقتلني بغيابك، لم يكن ما بيننا مجرد نزوة مراهقين، لقد كان حقيقة… حقيقة أدركتها بكل معالمها، أحببتك بكل ما قد تعنيه هذه الكلمة، صدقني لقد أحببتك بشكل لا يصدق..

أعلم أن كلماتي غير متناسقة يا عزيزي، أحدّثكَ عن يومي السيء وأعبر لك عن حبي في ذات الوقت، حسنٌ، لن يكون من الصعوبة أن تفهم رسالتي بكل هذه التفاصيل المشوشة فأنت وحدك من أدركت كلماتي وحدك من أعرتها اهتماما، وحدك من قرأها.. ربما لست وحدك من سيقرأها بعد الآن فمنذ اختفيت قررت أن أنشر هذه الرسائل على مرأى من الجميع علني أجدك قارئا بينهم، أو أجد ما يؤنس وحدتي في غيابك، إذ لمْ يعُد لي بعد الآن ذلك الكتف الذي ربما أسند إليه بعضا مما يشغل بالي، أو تلك الأذن الصاغية التي كلما احتجتها وجدتها على عادتها تستمع.

حتى تلك الأصوات الآدمية لم تعد لي أي رغبة في سماعها فأنا أحتاج إلى أصوات ملائكية تنير دربي المقزز هذا، فتحت هاتفي وبدأت أتصفح قائمة التشغيل تلك التي لطالما أصابتني بالغرابة من نفسي ومن كل تلك الأصناف المختلفة التي بإمكاني السماع لها منها الصاخب ما يجعل عقلي ينفجر في لحظات الهدوء ومنها الهادئ ما يصيب حنقتي في لحظات السعادة، ظللت أتصفح تلك القائمة مرارا وتكرارا دون أن أجد ما يروق لسمعي، بيد أنه في لحظة غريبة قد تراءى لي اسم ذلك التسجيل القديم الذي قد أرسلته لي في احتفال السنة الجديدة، آه! لقد مرت عليه السنة، كنت قد نسيت تماما تواجده هناك.. ما كان من ردة فعلي إلا أن أسرع لأفتحه، لقد كنت أقول لك دائما أن عالمي يكون في حالة فوضى ويهدأ لحظة سماع صوتك وهذا تماما ما حدث معي فقد هدأ كل ما يدور حولي فور سماع تلك الكلمة الأولى من تسجيلك، لقد مر وقت طويل وعالمي في فوضى كنت في أمس الحاجة لتعديله مجددا..

ظللت أعيد وأكرر سماع ذلك التسجيل إلى أن خانتني تلك الدمعة الحارقة فنزلت دون أن أستطيع منعها، لقد كنت أبدل مجهودا -راح أدراج الرياح- في محاولة لإقناع نفسي أن ذكرياتك لم تعد ذات أهمية إلا أن دمعتي تلك تستطيع إثبات ما ينكره لساني وعقلي..

يستمر عقلي في الرثاء على أطلالك ومناجاتي بنفس الحوار، لماذا انشلتني من كل سلامي وطرت بي في الهواء صبابة وتركتني هناك؟ لماذا اخترتني من كل نساء العالمين وتركتني في منتصف الطريق أرثي حياتي هذه؟ رددت على مسامعي كل كلمات الحب والهيام وسلكت دربك وحيدا يا زمن الابتسام، ما عاد في العين دموع يا ملحي، لكن القلب مقبرة جروح.

أختم قولي هذا وأقول لك أن روحي ظلت تحلق بين ثنايا قلبي وحيدة بئيسة منتظرة فأنت لم تكن عابر سبيل كنت عُمرا اكتفيت به وعنه وله، كنت موطنا جمع أشلائي المبعثرة، أودعك الآن عسى أن يكون الجواب لقاءا يشفي جروحي، أو حتى رسالة ربما!

أمينة قاصد

-مدونة وكاتبة. -طالبة بسلك الماستر علوم سياسية وتواصل سياسي. -حاصلة على إجازة مهنية تخصص صحافة قانونية واقتصادية. -حاصلة على الإجازة الأساسية شعبة قانون خاص.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *