المصالحة مع ما كان

لدي ماض، لديك ماض، كل منا لديه ماض، ولكنّه لا يجب أن يؤثر على مستقبلك.

لا يوجد إنسان على وجه الأرض لم يمر بمواقف سبّبت له ألماً نفسياً. إن هذا الألم طبيعي، إلا أنه عند البعض يستمر لوقت طويل، ويعيشُ في دوامة الألم أكثر وأكثر. ومع مرور الوقت يصعب عليهم أن ينسَوْا أو يتخلّصوا من هذا الشعور، الذي يجعل الشخص يشعر بالتعاسة ويدمر علاقته بالآخرين، ويشتّت تركيزه ولا يجعله يقبل على أي أمر جديد.

إن التمسك بمواقف الماضي الموجعة تجعلنا نقع في فخ الغضب والانزعاج وتدمير لذّة الاستمتاع بالحاضر فنفقِد أيّ شعور بالفرح من حولنا. ومن هذا المنطلق، علينا أن ندرك ان العيش في الماضي لم يكن يوما حلّاَ مناسبا لإعادة الحياة إلى الموت أو لاسترجاع ما فُقِد منا.

كما لن يجدينا العيش في الماضي نفعا في إعادة صياغة ما فات، فكل ما حدث لا يجب أن يؤثر سلبا علينا،
بل يجب أن نتصالح معه ونتقبل الحكاية كاملة وبدون ندم على مواقف فاتت وماتت وأن نركز على الحاضر دون أن نؤسسه على الماضي المنقضي وتعلم الدرس المستفاد.

فالعيش في الماضي و خاصة اذا كانت احداثه موجعة يجعلنا عالقين في مساراتنا عاجزين عن المضي قدماً وعن اختبار كل ما هو جديد قادم.
ربما يعكر ظلٌ قاتمٌ صفو ايامك و لكن لا تدع هذا الظل يرافقك مدى السنين.

لذا كلما راودتك أفكار لمواقف ماضية كانت قد أوجعتك خذ وقتك لتقيَّمها وفكّر بموضوعية دون تأثير عاطفي، و لا بأس أن تراجع ذاتك على أشياء قمت بها بشكل مباشر او غير مباشر فالحقيقة أن مراجعة الذات لاتعني دوما تقصّي الأخطاء ومحاسبة النفس سلبياً بل دعنا نعتبرها بمثابة المصباح الذي ينير لنا الطريق لنرى الهفوات والأخطاء التي قد مررنا بها وذلك لتحسين حياتنا ووضع الأمور في مسارها الصحيح مستقبلياً.

صحيح أنه لا يُمكننا محو الماضي الأليم وتداعياته علينا لكن يمكننا التصالح معه وتجاوزه. حيث إنه أثناء استرجاعنا للمواقف الماضية، فإننا غالبا ما نميل إلى المبالغة في تقدير المواقف التي كانت لدينا بالفعل. في ذلك الوقت، وفي بعض الأحيان نقع في دوامة لوم الذات وجلدها إذ قد نشعر بالأسف حيال الأشياء التي ارتكبناها لاعتقادنا انه كان بإمكاننا القيام بها بطرق مختلفة، و لم نقم بها آنذاك.

لذا من المهم أن نذكّر أنفسنا أن هناك مواقفاً وظروفاً لم يكن بإمكاننا التحكم فيها حقاً، وأننا قد فعلنا كل ما بوسعنا في ذلك الوقت؛ ومن هنا فكر في الأحداث الماضية السيئة والموجعة التي حصلت معك كإشارة للتغيير والمضي قدماً نحو تحقيق إنجازات أفضل.

دع الماضي يمضي وتوقّف عن الحديث عنه، فكلما تكلمت عن الماضي الموجع أكثر كلما استمرّ شعورك بالألم وازداد إحساسك بالغضب. فتكرار حديثك هذا يبعث الحياة في الأحداث التي سببت لك الألم والحزن والغضب..

و في الختام،
اِنْسَ المواقف السيئة ولا تدَعْهَا تؤثّر على يومك وحياتك ولكن تذكّر الدرس منها جيداً؛ فالتجربة هي وليدة المواقف، سواء المواقف التي نجحت فيها أو لم تنجح، لذلك بدلاً من تركيز كل تفكيرك على تلك المواقف التي أزعجتك، ركز على كيفية الأستفادة منها، وكيفية تجاوزها في المرات القادمة، توقف عن الحديث عنها، فبذلك تكون قد أغلقت صفحة من حياتك بكل ما فيها من آلام وفتحت صفحة جديدة هادئة وخالية من أوجاع الماضي.

و تذكر دائما، أننا لا يمكننا الرجوع للماضي؛ فنحن لا نملك “آلة زمنية” لنعود ونغير مما حدث، أو مما صدر منا، لذا لا داعي للتفكير المفرط فيه، فكما يقال ما حدث قد حدث، بل أعد ترتيب أفكارك وانظر للأمور على حقيقتها تحمل مسؤولية حياتك وما يحدث فيها ولا تجعل من ماضيك أياً كان قوقعة تعزلك عن واقعك الحالي بل اجعله فرصة للاستفادة من تجاربك السابقة لتساعدك على النهوض لتصبح اقوى نفسيا..
وأخيراً، عش الحاضر، وتصالح مع الماضي وتخطّاه، وخَطّطْ بقلب مفعَم بالأمل لمستقبل أفضل.

المصالحة مع ما كان

ابتسام عطالله الرمحين

كاتبة في عدة مجلات و صحف إلكترونية ليسانس ترجمة لغة انكليزية صدر لي كتاب بعنوان من التبرير إلى التغيير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *