الفيسبوك وخبر الموت السائل

بعد الطفرة التكنولوجية التي لم تسندها إلا قيم الاستهلاك، جاءت سنة 2020 ليكون معها الإنسان أمام اختبار حقيقي في كل مناطق العالم، إنه اختبار الموت.

الموت كسؤال ينتظر منا جوابا عليه، والموت كخبرٍ الأصل فيه أن يحرك سكون الإنسان ويربطه بالبحث عن معنى، وعبره عن سيناريوهات الخلاص. ولأن الفيسبوك بيت التفنن في نشر الخبر، في التعليق على الخبر، في تسطيح الخبر، في فقدان الرجاحة والمعقولية والمصداقية، ظهرت طرق لنشر أخبار الموت خاصة في هذه السنة التي فكت شيفرة أنانية الإنسان المفرطة، وقد تمظهرت هذه الأنانية جلية مع فئة عريضة تنشر خبر الموت للعلن على الفيسبوك بهذه الصيغة “إنا لله وإنا إليه راجعون” في صورة تفقد أي توضيح، صورة خالية من العواطف لا تراعي مشاعر مئات الأصدقاء والمشتركين والأحباب، إنها صورة تهز قلوب الكثيرين.. وهي صورة تقتضي تهاطل الأسئلة في التعاليق وفي الرسائل؛ من الفقيد؟ أسئلة يتطلع أصحابها لمعرفة اسم الفقيد حتى تطمئن قلوبهم، قلوبهم التي لم يراعي لدقاتها وصحتها “ناشر الخبر”.

صورة تعبيرية

ألم يكن من الممكن أن يصحب صاحب الخبر خبره بتوضيح بسيط حتى لا تهز قلوب من يقرؤه ولا تضطرب أنفس من يراه على حين غرة؟
كان من الممكن أن يفعل هذا؛ لكن لماذا لم يفعل؟ هذا السؤال نجيب عليه بسؤالين؛ هل سلطان الموت ما يزال يحرك شيئا في الإنسان؟ هل الإنسان مستعد للتخلص من أنانيته على الأقل في جانب نشر خبر الموت والتعليق عليه وإختيار الإموجي التعبيري المناسب للتفاعل مع الخبر؟

الإنسان حتى حينما يحكم على نفسه بأن يكون استهلاكويا / طقوسيا / مناسبتيا فإن هذا لا يعطيه الحق البتة في أن يستهلك خبر الموت كما يستهلك كل شيء وكأنه لا شيء، ولا يعطيه الحق في أن يُفقِد الموت رمزيته التي هي فوق الفردانية السلبية والنرجسية البشرية التي قد تعمي الأبصار والقلوب معها.

الفيسبوك وخبر الموت السائل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *